المجاز في مفردة الحجاز ..!
نَشَأتُ وتَرَعْرَعْتُ -وعَلى وَزنها تَعَرْفَجْتُ- في جُزءٍ غَالٍ مِن وَطننا الكَبير يُسمَّى " الحِجاز"؛ وبالتَّحديد في "المَدينة المُنيرة"، ولَم تَكُن مُفردة "الحِجَاز" تَستوقفني مَعرفيًّا؛ حتَّى وَقَع بَين يَديَّ –وأنَا في المَرحلة الثَّانويّة بمَعهد "عنيزة" العِلْمي تَحديداً- كِتَاب "المجَاز بَين اليَمَامة والحِجَاز"، للشّيخ الأديب "عبدالله بن خميس"، مُؤسِّس صَحيفة الجزيرَة -رَحمه الله-..!
ثُمَّ بَدأتُ أسمَع قرَاءَات وتَحليلات، لِمَا جَاء في فصُول هَذا الكِتَاب، في برنَامج كَانت تَبثّه الإذَاعة آنذَاك، ومِن حِينها وأنَا أتعلّق وجدَانيًّا وسَماعيًّا؛ وعَاطفيًّا ومَعرفيًّا بمُفردة الحِجَاز، ألتَقطُهَا وأصرِف لهَا سَمعي، كُلَّما وَجدتُ إلَى وصَالها سَبيلاً..!
لذَلك تَكوّنت عِندي أشتَاتٌ مِن الشِّعر والنَّثر؛ في التَّغنِّي بالحِجَاز، ولعلّي أحفَظ عِبَارتين جَميلتين الأولَى تَقول: (سُكنَى الحِجَاز نصف القوت)، أمَّا الأُخْرَى فتَقول: (عِندَما أدخل الحجَاز فكَأنَّما أُبشَّر)، ولا أعرف مَن قَائلهما، ولَعلَّ شَيخنا الفيلسُوف "عبدالرحمن المعمّر" يُرشدني إلَى القَائِل، فهو الخَبير بمِثل هَذه "التَّواقيع"..!
أمَّا مَا يَخصُّ الشِّعر، فقَد تَرنّمتُ وتَغنّيتُ وطَربتُ لأبيَاتِ الشَّاعر "الأشجع بن عمرو السُّلمي"، حِين قَال:
بِأَكْنَافِ الحِجَازِ هَوىً دَفِينُ
يُؤَرِّقُني إِذَا هَدَتِ العُيُونُ
أَحِنُّ إِلَى الحِجَازِ حَنِينَ إِلْفٍ
قَرِينِ الحُبِّ فَارَقَهُ القَرينُ
وَأَبْكي حِينَ تَرقُدُ كُلُّ عَينٍ
بُكاءً بَينَ زَفرَتِهِ أَنينُ
كَما طَربتُ أيضاً بنَفس الدّرجَة -عَلى مقيَاس رِيختر الطّرب الفنّان المُتألِّق "فوزي محسون"- لشَاعر آخر يَقول:
كَفَى حُزْناً أَنِّي بِبَغْدَادَ نَازِلٌ
وَقَلْبِي بِأَكْنَافِ الحِجَازِ رَهِينُ
إِذَا عَنَّ رَكْبٌ لِلْحِجَازِ اسْتَفَزَّنِي
إِلَى مَنْ بِأَكْنَافِ الحِجَازِ حَنِينُ
وَتَاللّهِ مَا فَارَقْتُهُمْ قَالِياً لَهُمْ
وَلَكِنّ مَا يُقْضَى فَسَوْفَ يَكُونُ
وثََالث مَن أطرَبني مِن الشُّعرَاء يَقول:
سَرَى البَرْقُ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ فَشَاقَنِي
وَكُلُّ حِجَازِي لَهُ البَرْقُ شَائِقُ
فَوَاكَبدِي مِمَّا أُلاَقِي مِنَ الهَوَى
إِذَا حَنَّ إِلْفٌ أَوْ تَأَلَّقَ بَارِقُ
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: هَذه نَفحة مِن النَّفحَات الحِجَازيّة؛ التي تَمتَازُ بالاختصَارِ والجَزَالَة، والبَسَاطَةِ والإيجَاز..!!!
المدينة 1434/11/29هـ