لا مجال للتشكيك في موقع المولد النبوي
ما أكثر ما نشرتْ صحفنا حول موقع المولد النبوي الشريف... وكان آخر ما نُشر حول هذا الموضوع، البحث الجيد، الذي نشرته صحيفة مكة يوم الأربعاء 19 ربيع الآخر 1435، الذي أصابني بصدمة كبيرة... فقد هالني ما قرأت، وتألمت كثيرا من تلك الجزئية التي تحدثت عن وجود مخطط لبناء أربعة أبراج لرئاسة شؤون الحرمين تضم سكنا للأئمة ومكاتب وإدارات، يكون موقعها المكان الحالي (المولد النبوي الشريف!)...
وعلى الرغم من أن رئاسة شؤون الحرمين الشريفين قد نفت ذلك، قائلة إن المكتبة باقية، إلا أن الموضوع يحتاج إلى تثبيت قواعده وإرساء أركانه من ذوي الاختصاص والحل والعقد في مثل هذه الأمور، لأن الخوض فيه قد كثر والآراء فيه تعددت
ومن هذا المنطلق، أتساءل: من المسؤول عن ترويج مثل هذه الإشاعات، ولماذا لم يشع بأن المشروع سيحتل مكاناً آخر؟! وهل ضاقت الأرض بما رحبت، حتى لم نجد مكانا إلا (موقع المولد النبوي) ليكون موقعا لهذا المشروع أو غيره من المشاريع- إن صحت هذه الإشاعة؟ ألم يجد مطلقو هذه الشائعة إلا هذا المكان التاريخي الهام ليثيروا حوله البلبلة والأقاويل؟إنني كمسلم وابن من أبناء مكة المكرمة..هذه المدينة الطاهرة المقدسة ـ ويتفق معي الكثيرون ـ أطالب بأن يبقى مبنى (المولد النبوي الذي به مكتبة الحرم) كما هو عليه الآن، كما يجب أن تنفذ فيه شروط الواقف، وأن تُجرى عليه الترميمات والإصلاحات والصيانة اللازمة من الجهات المختصة، أو أن يعاد بناؤه بنفس التصميم أو بتصميم قريب منه، دون تمييع لمعالمه أو تضييع لحدوده أو تزييف لتاريخه
كما أرجو أن تكف الألسن وتوقف الكتابات التي تضع المسلمين والأجيال الآتية من بعدنا في حيرة وشك في المكان الذي ولد فيه رسول الله ونبي هذه الأمة وخاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! التي ستدفعهم لإلقاء اللوم على من سبقوهم بأنهم لم يحافظوا على الآثار التاريخية الإسلامية، وسيتهمونهم بالتقصير والإهمال بأنهم لم يستطيعوا حتى المحافظة على مكان مولد رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، وبأنهم تجرؤوا على طمس معالم وآثار عرفت بالتواتر عبر الأجيال والعصور وأجمعت الأمة منذ أربعة عشر قرنا على أنها أماكن ومعالم قد حددت بدقة ودراية ومعرفة لا يخالطها أي شك، ومنها مكان المولد النبوي الشريف، فإذا ما أقيم على هذا الموقع أي مشروع فإنه يعتبر استخفافا بمشاعر المسلمين ومهانة لتاريخ حفظ منذ ولادته صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، كما أن مثل هذه المشاريع ستُخفي هذه المواقع وتمحوها من ذاكرة الأمة
وأحذر من أن يُعلق مصير آثارنا الإسلامية لمن هب ودب، فيكون مصيرها الخطر المتوثب لمحوها تماما من الوجود! فيجب تدارك هذا الأمر والحسم فيه
ونطالب ولاة أمرنا، وهم من أولوا اهتمامهم بالآثار الإسلامية في بلاد الحرمين، أن يولوا هذه الآثار جل حرصهم ورعايتهم، وخاصة مكان المولد النبوي الشريف، الذي يجب أن نوليه جميعنا كل عناية ورعاية واهتمام
ومن جهة أخرى، أقول للمشككين في موقع المولد النبوي، إنهم مخطئون، هدفهم إثارة البلبلة والتشكيك بين الناس.. وأقول لهم إن موقع المولد النبوي عُرف بالتواتر الذي أقره المسلمون والباحثون على مر الأيام والعصور، فلا مجال لأن يشككوا في ذلك، فأقوالهم جميعها مرفوضة مردودة عليهم، لأننا لو أخذنا بأقوالهم، فقد يأتي يوم يشكك فيه هؤلاء في موقع (جبل الرحمة) في عرفات وموقع المشعر الحرام بمزدلفة ومواقع الجمرات الثلاث وموقع الحجر الأسود وغيرها من المشاعر والأماكن التاريخية الإسلامية، التي عرفناها بالتواتر... فإذا كنا قد أقررنا بأن هذه الأماكن هي هي، فإننا يجب أن نقر بأن موقع المولد النبوي هو هو.
صحيفة مكة 1435/4/24هـ