مكتبة عارف حكمت

مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة تزخر بالكثير من الكتب المنسوخة والمخطوطة والمطبوعة والتي تقدر بنحو خمسة آلاف كتاب أو أكثر وتحتوي على الكتب التي تضم العلوم الشرعية والدنيوية في مختلف العلوم والمعارف باللغات التركية والفارسية والعربية، وكان شيخ الإسلام أحمد عارف حكمت سابق زمانه، حيث أوقف هذه الكتب وأنشأ لها مكان مخصص وأوقف لها حتى تستمر المكتبة بعد وفاته وكان دخل هذه الأوقاف التي أوقفها يصل إلى خمسة عشر ألف جنيه ذهبي بالعملة العثمانية آنذاك لكي تجد هذه المكتبة العملاقة ما ينفق عليها من تجديدات، وأيضا صرف مرتبات وأجور للعاملين بها، وتقع هذه المكتبة في جنوب المسجد النبوي الشريف في مواجهة الجهة الشرقية منه، ويرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1270هجرية والتاريخ منقوش في سقف قاعتها، وقد تعرضت هذه المكتبة إلى نقبات من الحاكم التركي الذي حاول في أيام الحرب العالمية الأولى إرسال مجموعتها إلى تركيا ولكن بعد وصول مجموعات الكتب إلى دمشق تغيرت دفة الحرب على الدولة العثمانية فأعيدت هذه المجموعات إلى المدينة المنورة مرة أخرى، كما أن بعض مجموعتها أخذت منها وظلت في تركيا رغم وجود ما يدل على وقفها من قبل شيخ الإسلام عارف حكمت الحسيني، وللدكتور عباس طاشكندي دراسة بعنوان (مخطوطات الحرمين الشريفين قطعة من تراثنا الفكري الإسلامي) فقد استعرض وثيقة وقف هذه المكتبة، حيث أكد أنها تعد مثلا فريدا لأوقاف المكتبات إذ أن وثيقة وقفها تعتبر أعظم وثائق وقف المكتبات، وأن شروط الوقف كانت فريدة في نصوصها ولعل هذا يعطينا دلالة على صدق واقفها وأنه سبق زمانه إذ وقف على مكتبته نساخا يساعدون طلبة العلم في استنساخ ما يريدون استنساخه وهذا ما يحاكي اليوم آلات النسخ في المكتبات لخدمة طلاب العلم، وأيضا أهمية المكتبة تكمن في محتوياتها من المحفوظات وليس في محتوياتها من الكتب المطبوعة، حيث تمتلئ الرفوف بالمخطوطات النادرة التي كتب أكثرها بأيدي مؤلفيها، ومن شروط استعارة الكتب من المكتبة هذا الشرط الذي يحافظ على مقتنياتها وما بها من تراث والذي وضعه صاحبها شيخ الإسلام عارف حكمت وهو (عدم جواز إخراج أي كتاب من المكتبة لا عن طريق الاستنساخ ولا عن طريق الاستعارة، بل يقتصر الانتفاع بالمكتب داخل المكتبة عن طريق المطالعة أو الاستكتاب أو المقابلة أو غيرها)،


أما المؤسس لهذه المكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت قد لا يعرفه كثير من الأجيال الحالية فاسمحوا لي أن ألقي نبذة ونظرة عليه لمن لا يعرفه فهو أحمد عارف حكمت بن إبراهيم والذي ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما، ولد في تركيا عام 1200 هجرية وتربى في بيت علم وفضل وأتقن اللغة العربية والفارسية بالاضافة إلى لغته الأصلية وهي التركية، وطلب العلم الشرعي على فحول علماء عصره، وفي عام 1231هجرية تولى القضاء بالقدس الشريف، وفي عام 1236هجرية تولى قضاء مصر، ثم اسند اليه قضاء المدينة المنورة عام 1238هجرية فقرب إليه العلماء والأدباء ورفض الهدية والرسوم التي اعتاد من قبله أخذها.


وفي عام 1246 هجرية عاد إلى الاستانة وشغل فيها مناصب عديدة منها الإفتاء في مجلس الأحكام العدلية وفي غرة ذي الحجة من عام 1262 هجرية أسندت إليه مشيخة الإسلام وهو أعلى منصب قضائي في الدولة العثمانية واستمر فيه سبعة أعوام ونصف وبعد ذلك تفرغ للعبادة والمطالعة إلى وفاته عام 1275 هجرية.

المدينة 1435/5/5هـ