أدباء مكة
بما حسبنا أن مكة المكرمة غاض فيها سوق الأدب، بعد أن غبرنا عقودًا طويلة، وليس لنا من حديث إلا تلك الثقافة التي صدع بها ذلك الوادي المبارك، ثم إذا بنا لا نعطي الأدب الذي ينشئه المكيون ما يستحقه من العناية والدرس، وكأننا اصطلحنا على أن ما لها من سهم لا يعدو البداية، وحق لها أن تخلص لرسالتها الدينية.
والأدب والثقافة في مكة المكرمة لم يضمرا، وإن ضعف اهتمامنا بما ينشئه أبناؤها، وربما عدا على ذلك عواد، منها خروج الأدب عن إقليميته الضيقة إلى بيئة أوسع، وهجرة طائفة كبيرة من أبنائها إلى مدن أخر، بعد أن كان المتعلمون والمثقفون والأدباء، لا حلم لهم إلا أن يحطوا رحالهم في بطحائها، وبعد أن ظن كل صاحب قلم أنه لن يكون أديبا إلا إذا نشرت له صحافة مكة ومطابعها صوب عقله وثمرة تفكيره، استمر ذلك عقودًا طويلة، ثم وقع في الظن أنه لا أدب ولا شعر في مكة، بعد جيل الرواد، وربما يدهش أحدنا حين يعرف أن مكة المكرمة لم ينقطع أثر الشعر، والأدب عامة، عنها، وأنه قدر لها أن يختبر النقاد والدارسون منذ الأزمنة الموغلة في التاريخ الأدب والشعر فيها، وسكتوا، أو كادوا حين نبغ فيها عمر بن أبي ربيعة، وما حمل الأوائل والأواخر على ذلك إلا أنه قد وقع في وهمهم أن مكة المكرمة إنما خلصت للدين وحده، ونسوا أن الدين لم يحل دون أن ينتفع أهلها ومن قصدها بـ”ثمرات كل شيء”، ومن تلك الثمرات الثقافة والأدب والمعرفة.
في مكة المكرمة أدب قوي ومؤثر، وفي أدبائها، مهما اختلفت الأجيال، حرص على ذلك الروح الذي بث في الشعر الذي ينظمون، والقصة والرواية التي ينشئون، وتستطيع، إن قبل ذلك النقد، أن تدعي للأدب الذي ينشئه المكيون روحا انسل إلى أرواحهم، وهو شعور الأديب المكي والإنسان المكي بمكيته، وكأنه يخشى عليها أن تستباح منذ قال مضاض بن عمرو:كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفاأنيس ولم يسمر بمكة سامر
صحيفة مكة 1435/10/10هـ