فرحة المطوفين بوصول الحجاج
في الحلقة السابقة تحدثت عن استعدادات المطوفين الأولية لموسم الحج ، وأشرت في نهاية مقالي إلى أنني سأتحدث في هذه الحلقة عن اللحظات الأولى لوصول الحجاج ، وكيف كانت تتم ، ومن كان يتولى تطويف الحجاج وسعيهم .
وهنا أتوقف قليلا لأقول أن خدمات الحجاج في السابق كانت مرتبطة باسم المطوف وليس بدخله المالي ، وكان المطوفون حريصين على أن تكون أسمائهم في المقدمة ، ولم ينظروا إلى ما يجنونه من عوائد مالية خلال موسم الحج ، رغم أن عملية تأمين السكن للحجاج كانت بأيديهم .
وكان المطوفون الذين يكونون قد أنهوا كافة استعداداتهم لاستقبال الحجاج يترقبون قدومهم لحظة بلحظة ، ولم يكن المطوف يذهب لمنزله للراحة والنوم إذ كان مكتبه هو بيته ، ونومه لا يتجاوز ساعات قلائل ، ومع قدوم المرشد حاملا جوازات سفر الحجاج تنطلق ابتسامة المطوف ، ويتسلم ورقة المرشد المدون بها عدد الحجاج وعدد الجوازات ، وكانت الإكرامية التي يحصل عليها المرشد عن كل حاج ريالين فقط ، وإن كان جميع الحجاج داخل الحافلة تابعين لمطوف واحد حصل المرشد على مبلغ ثلاثين ريالا .
ورغم أنه لم تكن متوفرة آنذاك خرائط إرشادية ولا هواتف نقالة ، فإن المرشدين وهم من الشباب الصغار في السن يعرفون جيدا موقع كل مطوف ، إذ كانت منتشرة في وسط مكة المكرمة وبمناطق معروفة ، والبعض منهم له في هذا العمل سنوات .
وحال تسلم المطوف لجوازات سفر الحجاج يسارع العمال لإنزال شنط الحجاج بهدوء ، وحملها إلى مكتب المطوف ـ المعروف بالبرزة ـ حيث يرتاح الحجاج ويشربون ماء زمزم ، وإن كان البعض من الحجاج يفضلون شرب كاس من الشاي بعد ماء زمزم ، فإن أسرة المطوف تسعى لتحضير وجبة الضيافة وتجهيزها ، ويبدأ العمال في وضع السفر على الأرض وينادي المطوف بجملة توارثها من والده عن جده " طعام الله لك ياحاج فلا ترده " ، وعقب تناول الحجاج لوجبة الضيافة الأولى يبدؤون في الوضوء والاستعداد للتوجه صوب المسجد الحرام لأداء طواف القدوم ، ويكون المطوف أو ابنه قد استعد لتطويف الحجاج لابسا جبة سوداء خاصة ومميزة له ويتوجه صوب المسجد الحرام ، ومع سيره تنطلق التلبية " لبيك اللهم لبيك " فتسمع وأنت سائر بالطريق التكبيرات من كل جانب .
وعقب الانتهاء من الطواف والسعي ، يعود الحجاج إلى مقر المطوف لاختيار مقر سكنهم والذي يتوافق مع قدراتهم المالية ، وكان الكثير من المطوفين لا يطالبون الحجاج بأجرة السكن خشية أن يؤثر هذا الطلب على الحجاج .
وكان الكثير من الحجاج يسارعون إلى المطوف لسؤاله عن أجرة السكن ودفعها مع أجرة الخيمة وأجرة الأتوبيس الذي سينقلهم إلى المشاعر المقدسة .
وقبل الحديث عن المشاعر المقدسة ، واستعدادات المطوفين لاستقبال الحجاج بها ، فإن هناك العديد من المواقف الإيجابية للمطوفين تجاه الحجاج خاصة من يفقدون أموالهم إما نتيجة لسرقتها أو ضياعها ، وكان المطوف إذ علم بحالة الحاج سارع لمنحه مبلغ مالي يقضي به احتياجاته ، دون مطالبة الحاج بكتابة سند لقاء مايحصل عليه من مال ، إذ كان من العيب أن يطلب المطوف من الحاج كتابة سند على ما يأخذه ، وكان المطوف يقول إذ زرتكم ولديك المبلغ فسدده .