مكة .. أم القرى .. الصدر الحنون
أم القرى حباها الله مكانة وقداسة وأجاب دعاء نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يجعلها بلدا آمنا ويرزق من آمن من أهلها من الثمرات ..
وقد جعلها الله أم القرى .. أي أم المدن بل أم الدنيا كلها .. فأشرق فيها نور الإسلام وانطلقت الرسالة المحمدية على صاحبها وحاملها أفضل الصلاة والسلام ..
فجعل الله أفئدة من الناس تهوي إليها .. عبادة وتجارة واستقرار وبركة جوار .. فصار لمكة البلد الحرام وجهها المشرق الذي ترى في قسماته كل تعابير الجمال الإنساني لنسيج سكاني جمعتهم بوتقة القرب والحب لمكة والطمع إلى ما عند الله من خير جعله الله للبيت الحرام وأهله المخلصين له في القربى ..
ففتحت أم القرى ذراعيها لتحتضن على صعيد صدرها كل من ارتمى عليه .. ومع تتالي الأيام وتغير الحكام وتتابع الأحكام ، تتجدد الدماء المكية بسريان الجديد منها في شرايين الحياة ،، وفي هذه الحقبة الزمنية من الخمسينات الهجرية من القرن الرابع عشر الماضي والسنوات التي تلتها .. يتوافد إلى مكة من قلب الجزيرة من نجد ومن القصيم بالذات عدد من العائلات القصيمية لتأخذ مكانها في تشكيلة الفسيفساء السكانية ،، وليس بالجديد عليهم تراب مكة وبطحاءها .. ولكن القدوم الأخير كان قدوم استقرار وطلب رزق ..
فظهرت على الساحة السكانية المكية أسماء أخذت مكانها في النطق اللساني في الوصف العائلي .. ومنهم : البطحي .. الضبيبان .. الميمان .. الصيخان .. السلامة .. المتروك .. وغيرهم
وهذه الأسماء كان لهم دور كبير في تغطية جوانب تجارية أصبحت في يوم من الأيام مرادفة لأسماءهم فالميمان وكذلك الصيخان كانا يتاجران في السيارات .. والسلامة في بيع قطع غيار سيارات مرسيديس .. والمتروك كان وكيلا لأجهزة راديوهات كورانديك الألمانية ، أو كما كان يسميها الناس قرندي .. وهناك البعض تخصص في الخرازة أو صنع المداس الشرقي (أكرمكم الله) .. وتسمى في أماكن أخرى النعال الزبيرية ..
وهناك أمر مشترك يجمع بين القصمان والنجدين .. أو كما يسميهم أهل مكة .. الشروق ..
ومايجمعهم أن لغالبية العائلات المذكورة وغيرها تجمع من محلات في مكان واحد يسمى سوق أو حراج الشروق .. ومكانها تمركز تحت عمارة الجفالي في الغزة في الدور الأرضي .. والجفالي هو أيضا من القصيم والشيخ علي عبدالله الجفالي من مواليد مكة في 1916م وأصبح ومن أعيانها ..
فقد كنا نجد في محلات الشروق حاجتنا من الزل .. الجلايل .. كل أنواع السجاد .. إلى جانب السلاح والذخيرة والمشالح .. البشوت .. والعقل القصب ، والدقلات ..
عدا ممارسة بعض أعمال الصرافة والمتاجرة والمرابحة المالية المحدودة الدائرة ..
كما أن وجودهم السكني كان يتمركز في منطقة شعب عامر وقليل في شعب على .. وهناك من سكن الملاوي وجهة ريع ذاخر ..
وكان لهم بعض المحلات في الجودرية والمدعى حسب اختصاص أصحاب الصناعة والتجارة ..
وفي هذا السرد ، لاينبغي أن نتجاهل الفضلاء الآخرين من أبناء نجد والقصيم الذين قدموا إلى مكة للتعليم الديني وهم كتلة من الأخلاق والنقاء الروحي الذي فرض الحب والاحترام في قلوب الطلاب ومن عاشرهم ..
ومنهم العقل .. الحلاف .. المسعود .. المزوع .. الخليفي .. السبيل ... وغيرهم مما لاتحضرني أسماءهم ..
وأنساب هؤلاء القادمين من القلب في شراين الحياة المكية لينتشروا في الجسد السكاني بكل وقار واعتبار .. فأنجبت أم القرى أجيالا من الأنفس الزكية من كل أصناف البشر لاتفرق بينهم لأنهم أبناؤها ..
وهكذا كانت وهكذا ينبغي أن تبقى مكة على العهد الأزلي .. مودة ومحبة وصفاء أنفس .. ورجال يكتب التاريخ أسماءهم في الخالدين بمداد الفخر ..
مقال خاص بقبلة الدنيا نشر بتاريخ 1436/2/3هـ