قصة مدينتين
بداية، لا بد من التوضيح أننا جميعا مع مشاريع التطوير والتحديث في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكلنا يقدر الجهود الرسمية والخاصة المخلصة لأجل المدينتين، موقنين أن التضحية بالغالي والرخيص لراحة حجاج ومعتمري وزوار الحرمين الشريفين واجب على كل مسؤول ومواطن سعودي، وخدمتهم تاج تشريف لكليهما، بيد أن مشاريعنا فيهما تكاثرت وتحتاج تنسيقا وجدولة وتنفيذا أفضل.
ليس تعثر بعض المشاريع أو تباطؤها هو المشكلة، هذه مجرد إفرازات لتناقض وتعارض بعضها، تعدد مجالس التخطيط وعدم التنسيق فيما بين المشاريع وعدم جدولة البعض الآخر أدى لهذه الربكة الملاحظة.
توسعة الحرمين الشريفين ومرافقهما ــ كمثال ــ هدف لا يختلف على أهميته اثنان، أدى لعمليات إزالة كبيرة وفقدان جزء كبير من الوحدات السكنية الساترة لآلاف الأسر، وبافتراض أن التعويض مجزٍ، أين سيجد كل هؤلاء بديلا مع شح الأراضي وارتفاع الأسعار أثناء انتظار استلام التعويض (قضايا الوقف قصة أخرى). كان الأولى تدبير حل لهذه الإشكالية قبل بدء عمليات الإزالة، وقلت ــ مرارا ــ إن حجم الهدم في المدينتين لو حدث في أي دولة أخرى لأعلنت حالة الطوارئ لتدبير حلول لهؤلاء، فإن لم يكن هذا ممكنا، كان بالإمكان الطلب من وزارة الإسكان رفع حصتي المدينتين المقدستين من مشاريعها لتعويض سكانها عما فقدوه فجأة.
هذه الأبراج السكنية حول الحرمين الشريفين ــ كمثال آخر ــ هدف هام لا يختلف عليه اثنان لاستيعاب حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله المصطفى ــ عليه الصلاة والسلام، كان الأولى البدء بتحديث البنى التحتية للمدينتين المقدستين لتتحمل عبء سكان هذه الأبراج، ليس فقط شبكات المياه والصرف الصحي، بل كافة خدمات الاتصالات والمواصلات والشوارع القادرة على استيعاب حوالي 7 ملايين زائر على مدار العام.
لا أحد ضد التطوير والتحديث، بيد أن هذا لا يعني طمس شخصية المدينة المراد تحديثها، كل مدن العالم العريقة حوفظ على جانبها العتيق جوار جانبها المحدث، كل مدن العالم لها هويتها الخاصة ومظهرها العام الموحي بتواريخ تطويرها.
لا أحد ضد التطوير إذا كانت له رؤية شمولية موحدة تراعي الظروف الديموغرافية.
آخرا وليس أخيرا يلاحظ أن طغيان المشاريع الخاصة على المشاريع الحكومية شوه الأخيرة، وأدى إلى تحويل المدينتين إلى مدن ناطحات سحاب بدون أساسات يعتمد عليها.
المصدر : عكاظ 1436/2/20هـ