كتاب يقرأ جبال مكة
مؤلف مؤرخ يعشق هذه الأرض فيكتب عن تاريخها في كل مجال، يكتب عن جدة ويؤرخ لأحداثها، ويبحث عما كتبه عنها أعلامها، قرأ شذرات الغزاوي، واستخرج منها قراءة واعية، وهو في كل ما ألف وكتب للصحف تميز بالتوثيق والتدقيق، واليوم وهو يتحدث عن جبال مكة يستوفي الحديث عنها مشاهدًا يصعد قممها، فصعود الجبال هوايته، وقد صعد كثيرًا من الجبال والهضاب في خارج وطنه، في الأمكنة التي يتوافر فيها للهواة آليات لصعودها، ورغم اختلاف الأجواء هناك عنها في بلادنا إلا أنه لا يتهيب صعودها شتاء في شدة البرد والثلوج، وفي الصيف أيضًا خاصة في بلادنا حينما لا يتوافر من الآليات إلا أقلها رغم الحرارة الشديدة والشمس الحارقة فللهواية تبعاتها.
والكتاب جاء في مقدمات عدة، حيث تعرض في الفصل الأول منه لموقع مكة المكرمة وتحدث عنه باختصار شارحًا تضاريسها، الجبال والأودية والشعاب والبدمنت (الشكل التضاريسي في المنطقة الصخرية الموجودة عند قدم الجبل بفعل التعريات الطبيعية)، ثم السهول، ثم نظرة موجزة على تاريخ مكة شاملًا نشأتها.
وفي الفصل الثاني تحدث في إيجاز عن الجبال في اللغة ثم فرق بين الجبال والهضاب، وتحدث عن أهميتها، ثم تحدث عن الجبال في القرآن الكريم ووظيفتها كما وصفتها آي القرآن واهتم لذلك، وتحدث عن الجبال التي لها ذكر في القرآن في مكة أو غيرها.
وفي الفصل الثالث وهو لب الكتاب تحدث عن جبال مكة، موضحًا أن مكة جبلية كلها وجبالها كثيرة، ولكنه سيتحدث عن أهمها، وقد عد منها ما يزيد عن ثلاثة عشر جبلًا وأشبع كل جبل حديثًا، وصفًا وتحديدًا لموقعه، وما ذكر عنه في المصادر التاريخية، وناب عن القارئ في زيارة ما كان له منها أهمية تاريخية، وجبال مكة كلها ذات أهمية في تاريخها وتاريخ من سكنوها حضرًا وبادية، وقد عمرت جبالها بمساكنها فزادت أهميتها لمن عاشوا فيها، وإن من جبالها ما كان لنا مرابع طفولة وصبا لا ننساه أبدًا، مذكرًا ببيت شعر عامي تغنت به أم كلثوم من شعر بيرم التونسي الزجال المشهور وهو:
مكة وفيها جــبال الـــنور
طالة على البيت المعمور
وبدأ وفقه الله بجبل النور الذي فيه غار حراء متعبد سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ما تميز به شكلًا عن بقية الجبال من حوله فقال: (جبل النور من الجبال الانفرادية لأن قمته تختلف اختلافًا واضحًا عن بقية جبال مكة ويتصل في قاعدته بجبيلات ممتدة من مختلف الجهات، وبين أهميته، ثم تحدث عن غار حراء وزيارته المتكررة له، ثم استقصى ما كتب عنه في المصادر.
ثم تحدث عن جبل ثور وغاره الشهير الذي اختبأ سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الجليل وخليفته الأول سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ورسم خريطة للوصول إليه، وقد شهر الغار أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ حدث مهم في تاريخ الإسلام ألا وهو حدث الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة.
وقد تحدث عن ما قيل عنه في المصادر التاريخية وقابل بينه وبين جبل النور في مطلعه ومنزله، وتحدث عن رحلاته إلى هذا الجبل وغاره المتكررة.
ثم تحدث عن الحجون وحدَّه بأنه الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة، ثم تحدث عما قيل عنه شعرًا، وما كان فيه من أحداث ثم ذكر ما تحدثت به المصادر عنه.
ثم عطف الحديث إلى جبل خندمة، وقال: إنه سلسلة جبال تقع في شرق وجنوب شرق المسجد الحرام، وتتصل بجبل أبي قبيس، ويشرف طرفها الشمالي على منطقة سوق الليل، ويشرف سفحها الشرقي على وادي العزيزية، أما سفحها الغربي فيشرف على حي الهجرة، ثم نقل عن المصادر ما حدد به موقعه ثم ما تحدثوا به عنه آخذًا في الاعتبار ما تختلف به المسميات أحيانًا.
ثم والى الحديث عن تلك الجبال مرددًا مع شاعرنا الأستاذ طاهر زمخشري رحمه الله هذه الأبيات:
أهيم بردحي على الرابيه
وعند المطاف وفي المروتين
وأهفو إلى ذكر غاليه
لدى البيت والخيف والأخشبين
فيهدر دمعي بأماقيه
ويجري لظاه على الوجنتين
ويصرخ شوقي بأعماقيه
فأرسل من مقلتي دمعتين
ثم يحدثنا في الأخشبين وكل ما قيل عنهما، أهما بمكة أم عند المشاعر ويستنطق المصادر عن ذلك، ويتحدث عن الجبل الآخر وما كان يسمى به في الجاهلية وما تحدثت به المصادر عنه، وحديثه في السياق لا ينقطع عما اعتبره من أهم جبال مكة، فيشبع قعيقعان حديثًا عبر المصادر، وما يطلق عليه اليوم من أسماء، ثم يعرج على جبل المطابخ ويبحث عن سبب تسميته بذلك، ثم ينتقل إلى جبل ثبير والأثبرة الأخرى، ثم يعطف الحديث عن جبل عمر، ويناقش مسألة أولد فيه سيدنا عمر بن الخطاب كما يقول الناس أم لا، مستقصيًا ذكره عبر المصادر، ثم يحدثنا عن كدي والأكدية الأخرى ويفصّل ذلك، ثم يأتي بأشعار قيلت في الجبال ثم يختتم بألبوم صور لرحلاته إلى تلك الجبال.
وقد حدثتكم عن الكتاب ونسبت إليه القراءة، وإن كان القارئ مؤلفه وهو الدكتور عدنان عبدالبديع اليافي الذي عشق هذه الأرض وألف عنها الكتب مكة وجدة والمدينة وله العيد من الأبحاث المنشورة عن هذا وله من المقالات الكثير نشرت في مجلات علمية وأدبية عربية وأجنبية وقد شارك في أبحاث أصدرها مركز أبحاث الحج حينما كان أحد العاملين فيه، ولا نزال ننتظر منه الكثير من هذه الأبحاث العلمية الموثوق بها وفقه الله وسدد خطاه.
المدينة 1436/3/12هـ