مكة قبل أن يجف حبرها!

ما أجمل حكايات الجدات وقصص حماسة الشيوخ في رواية السيرة الهلالية وعنترة وسيف بن ذي يزن.. كنا نتحلق حولهم وأعيننا مشرئبة لتلك الآداب والفوائد التي ينظمونها في سلك سردهم وهم يشيرون بطرف خفي للذوق الذي نقتديه والعيب الذي نتقيه دون أن يقطعوا علينا حبال المتعة المتصلة بدرر مناطقهم.

كانت أم القرى حاضرة في ذاكرتهم كلما مروا بالمكان أخبروا روايتهم عنه في الزمن الماضي مسطرين نماذج فريدة لمسيرة إنسان ذاك الزمان بكل ما فيها من شيم وأخلاق أهل الكمال، كل ذلك وقوفا على أطلال تنطق بالتاريخ، وتشهد بالحق وإن خلت الديار من أهلها؛ فإن نقاطها شامخة على سطر الحضارة لا تمحوها رياح الأيام!
كم يتمنى بعضنا اليوم لو كانت «كاميرته» حاضرة لالتقاط صور تلك الأماكن ومعالمها، وكم يرجو القلم لو سجل مداده مسلسلات الأمس بعبقه الزكي وشخوصه الزاكية حينما كانت تروى في مجالس السادات قيم التقاليد والعادات.

إن على المكيين الكتابة بقوة عن مكتهم في ذاكرتهم القريبة والبعيدة كما كتب الأجداد من العلماء والمؤرخين والرحالة العائدين.. اكتبوا ما بقي فيها، استخرجوا تلك الكنوز المدفونة عن مكة في ذاكرة آبائكم وأجدادكم من حولكم، دونوها للأجيال؛ فقد عفت الآثار ولبست مكة ثوبا جديدا..

ما ستكتبونه اليوم سيربط الأجيال بماض مكي عريق كان أهله الأدرى بشعابه، وطالما أن الشعاب الجديدة سيولد عليها جيل جديد؛ فإن من المهم ربط الأجيال بشعابها القديمة؛ حتى تنطلق لإعمار الأرض وهي تحمل التاريخ معها لا تتبرأ منه لا تتذكره؛ لأن من
لا ماضي له؛ لا حاضر ولا مستقبل حقيقي ينتظره.

لكل شاب أو شابة أدرك والديه أو أحدهما؛ استخرج منهما تلك الذاكرة عن المكان والزمان الجميل اللذين عاشاه، ودون كل ذلك في ورقات، وإن زادت وكثرت؛ فاجمعها في سجل، ثم أعد ترتيبها وتبويبها، واصنع صفحاتك من ذاكرة مكة باسم الآباء والأجداد وكل من يمسك منها بطرف قبل أن يكتبها من لا يعرفها أساطير تروى يطويها النسيان!

صحيقة مكة 1436/4/11هـ