أهالي مكة لا يعرفون شعابهم
مكة لم تعد تعرف شعابها، مع كل هذا التوسع الكبير يبدو أن المثل الشهير عن معرفتهم بشعابهم سوف يزول خلال عمليات الهد والبناء، فما يحدث في مكة المكرمة من إزالات يؤدي بالضرورة إلى تضييق المساحة السكانية، وإحداث تغير سكاني يفقد مكة خصوصية اجتماعية وجغرافية وتاريخية.
ومن المهم لأي تطوير التنبه للآثار الجانبية التي تحدث جراء دخول أحياء كثيرة داخل نطاق التطوير بهدها وغيابها بكل ما تحمله من آثار وعادات وموروث إنساني، وأكاد أجزم أن ما حدث رغم أهميته لم يرافقه دراسات اجتماعية تظهر لنا الآثار الاجتماعية السلبية التي يمكن لها أن تتضاعف مفرزة أشكالا جديدة من التصرفات والسلوكيات الاجتماعية..
ولا أعرف أيضا هل صاحب عمليات الهد والتقويض لأحياء مكة جهات أثرية معنية بتتبع ما يمكن العثور عليه من أثر، إذ إن المكان الذي شملته الإزالة يعد من أقدم بقاع الأرض تواجدا، وهو ما يعني أنه مكان غني بالآثار الإنسانية عبر التاريخ.. وفي هذه النقطة تستغرب تماما لعدم إعلان الحصول على أثر خلال عمليات الحفر العديدة وفي مواقع مختلفة وخلال سنوات متعاقبة..
ولم نسمع أن هناك من قام بتسجيل وتوثيق جغرافية مكة قبل البدء في هد الأحياء والمواقع..
وإن لم يكن الأثر ذا قيمة يجب الحرص عليه، فإن الوضع الاجتماعي لأهالي مكة يجب الاهتمام به ومراعاته وفق حالاتهم الاجتماعية والاقتصادية.فمع نزع الملكيات وغلاء الإيجارات، ظهرت مطالبات لأهل مكة ــ وهي مطالبات مبررة ــ موجهة لأمانة العاصمة ووزارة الشؤون البلدية والقروية بالسماح للأهالي بزيادة عدد الأدوار، فما تم إقراره من مخططات جديدة يكون البناء المسموح به لدورين وملحق فقط. وبهذا التحديد إغفال لحاجيات الناس وعدم معرفة بالسلوك الاجتماعي لأهل مكة، ويعد البناء الأفقي غير ملائم لظرفية المكان، ويغدو البناء العمودي هو الحل الأمثل مع المواقع ذات المساحات المحصورة، كما أن هؤلاء الأهالي يستطيعون من خلال تعددية الأدوار أن يضموا أبناءهم معهم في السكنى، فكما هو معلوم أن أهالي مكة ــ وعبر حقب زمنية طويلة ــ تعيش الأسرة في منزل واحد، فلماذا يفرض عليهم بناء دورين وملحق، إذ إن تعدد الأدوار هو الحل الأمثل لمدينة كمكة.. ارحموا الناس، فالإيجارات والأراضي بلغت عنان السماء، وهم ــ أو أبناؤهم ــ لا يقدرون عليها.
عكاظ 1436/5/14هـ