موسوعة ثقافة المجتمع المكي
تسعة أجزاء ثمرة أكثر من عشر سنوات من البحث قضاها زميلنا وصديقنا العزيز الأستاذ الدكتور إسماعيل خليل كتبخانة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز، غاص فيها بالبحث والرصد والمقابلات والتسجيل والقراءة التحليلية، ليقدم لآلئ تاريخية وشواهد حاضرة، برؤية علمية ومنهج بحثي (موسوعة ثقافة المجتمع المكي خلال نحو قرن ونصف القرن، 1300-1436).
الموسوعة كنز معرفي عظيم القيمة والأثر، مثلما هي ثمرة جهد دؤوب لصاحب العلم الموفور والخلق الوقور أ.د. إسماعيل كتبخانة، ولم يكن لهذا العمل الكبير عن ثقافة المجتمع المكي أن يكون بهذا الثراء، لولا توفيق الله ثم الإخلاص للعلم وللتخصص وروح المثابرة، فاستحقت الموسوعة جائزة ومنحة الملك سلمان بن عبدالعزيز للدراسات والبحوث.
الميزة في الموسوعة تشدك كثيرا إلى درجة الاستغراق في متعة المعرفة، فهي تؤرخ لثقافة اجتماعية عريقة في تاريخها وصولا إلى الحاضر، ودائما ثقافة المجتمعات تعكس هويتها الإنسانية بسماتها وأنماط حياتها من عادات وتقاليد، لذلك يجد القارئ لها إضافة حقيقية لمكنون الوعي بالتاريخ، وإثراء لمخزون الذاكرة عن المجتمع المكي الذي ظل عبر العصور ولايزال، مثالا للانفتاح الإنساني الحضاري وللتسامح وتعدد الثقافات والتنوع والتلاقي بين كل اللغات والأجناس، وقد ركزت الموسوعة على العناصر المادية للثقافة الاجتماعية، كالحارات، والمساكن، والأسواق، والمهن، والأطعمة، والألبسة، والأدوات، ووسائل النقل، والمواصلات وغيرها، وكذلك القيم التي تتمثل تعكس الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وإبداعات الفنون والتراث، والأدب، والتعليم، والعادات والتقاليد في الأعياد والمناسبات الاجتماعية، والأمثال والكلمات العامية لأهالي مكة المكرمة وغيرها من سمات ثقافة حياة وحضارة إنسانية.
أمام هذا العمل تجد نفسك مشدودا بالتعرف عليه أولا، وتتأمل حجم الجهد والاهتمام الذي بذله الدكتور إسماعيل كتبخانة، واستغرق من مشوار حياته واهتماماته العلمي البحثي الكثير، حتى خرج بهذا التكامل وبأسلوب علمي دقيق ومفيد، فالمعلومة والصورة لهما في موسوعته قيمة عظيمة لتوثيق وتأريخ حياة أجيال متعاقبة من الآباء والأجداد في المجتمع المكي، وكيف لا، وهو الباحث الغواص وعالم النفس والاجتماع، كما أنه ابن هذا المجتمع، وكما نقول ويقول معنا العالم الواسع (أهل مكة أدرى بشعابها) فقدم شعابها وتاريخها وثقافة إنسانها.
الموسوعة كانت حاضرة في معرض جدة الدولي للكتاب، وهي موجودة بالمكتبات، وأتمنى أن تطلع الأجيال على إضاءات إعلامية منها لتصل إلى أكبر عدد من القراء، ليس فقط عن تاريخ مكة وقداسة مكانتها الدينية، وإنما أيضا دورها في تاريخ المملكة وقد كانت مركزا للحكم الإداري للدولة ومقرا لمجلس الشورى في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وهي دائما العاصمة المقدسة للمملكة، وقد شهدت على مدى تاريخها صروح علم أسهمت في انطلاقة النهضة التعليمية في بلادنا ومنها مدرسة البعثات وغيرها من المدارس والمعاهد العريقة.
الأجيال الجديدة بحاجة إلى هذه المعرفة إلى جانب جرعات مناهج التاريخ، لذا أحث على اقتناء هذه الموسوعة واطلاع الأبناء عليها لينهلوا منها قدر استطاعتهم، وفي هذا استثمار جيد للوقت والارتباط بالتاريخ وفهم ثقافة مجتمع عريق، كما أتمنى أن يبادر معلمو ومعلمات علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ بتخصيص نصيب من الوقت والاهتمام لهذه الموسوعة القيمة ضمن الأنشطة الذهنية، وخلق منافسات بين الطلاب والطالبات لقراءة وتلخيص فصول من هذه الموسوعة وبهذا نضيف قيمة معرفية جميلة وهادفة للأجيال وارتباطهم بتاريخ مهم وهم يصنعون المستقبل.
عكاظ 1437/3/15هـ