هاشتاق هوية الحجاز
البداية تبدأ بتغريدة لأحد النشطاء في تأريخ التراث والثقافة المكية، وهو حسن مكاوي من خلال موقعه (قبلة الدنيا)، والذي دأب على فعل ذلك منذ سنوات طويلة بطريقة ممنهجة وعلمية وبالتعاون مع فطاحل المؤرخين والمفكرين والأدباء. حاز بسبب مجهوده المستمر وشغفه الذي لا ينتظر عليه مقابلا على عدة جوائز محلية واعترافات دولية. يقوم بدعمه مجموعة ممن اعتبروا مساعدته في النشر هي أقل القليل في مقابل ما يقوم به من عمل جبار في سبيل الحفاظ على ما تبقى من إرث والحفاظ عليه من خلال التوثيق كهوية وثقافة عريقة تشكل جزءا من النسيج الحضاري والإنساني لهذا البلد المتعدد الحضارات.
تنزل التغريدة بصورة جميلة للزي المكاوي العريق بتفاصيله الجميلة، وربما تغريدة أخرى لأحد الأدباء أو الأعيان المكيين، وربما ثالثة لنموذج عمراني أصيل من إحدى الحارات المكية القديمة، وفجأة يبدأ مجموعة من الأشخاص في مهاجمة التغريدة والأشخاص المشارين فيها بجمل تحمل مجموعة من التحقيرات العنصرية تحت هاشتاق اسمه (هوية الحجاز)، حيث يقومون بالطعن في النسيج الاجتماعي للمجتمع المكي الذي يجمع كل الأجناس والأعراق في سنة ربانية اصطفى الله بها هذا المكان المقدس منذ عهد إبراهيم عليه السلام بغرض الازدهار، النماء الفكري، والاقتصادي، والعمراني لهذا الوادي الغير ذي زرع.
أكثر ما أزعجني ليس إصرارهم على التشويه والطعن في موضوع علمي بدون أي دليل أو بينة أو منطق علمي أو تخصصي، بل أكثر ما أزعجني هو أسلوب الهجوم والتحزب واستخدامهم للاستهزاء والتحقير، ومساندة بعضهم كوسيلة لهزم الآخر حين غياب الحجة العلمية والمنطق السليم للنقاش والحوار.
نصحني الكثيرون بالتجاهل وعدم إعطاء هذه المجموعة أي أهمية، ولكن الجمل المستخدمة مثل (الحجاز لنا وأنتم وافدون)، (سنكشفكم أيها العملاء والمزورون)، (الحجاز ملك لنا نحن أحفاد فلان وأبناء قبيلة فلان وستعود لنا)، وآخرها جملة (إن لم نوقفهم عند حدهم فسيقضون علينا)، جعلتني أدرك أن الموضوع أكبر من عنصرية ابتلي بها هذا المجتمع، وأن هناك من ينشر أفكارا تخويفية وتحريضية سيطر بها على عقول البسطاء بهدف زعزعة الأمن الداخلي ونشر التفرقة بين فئات المجتمع المختلفة بإيقاع الضغينة بينهم والخوف والفرقة والتحزب، وهنا يصبح تدخل الجهات الرسمية أمرا واجبا، لأن استمرار ذلك سيجرنا إلى ما لا تحمد عقباه.
الخوف هو شريعة المفسدين في الأرض ووسيلتهم لتجنيد البسطاء والضعفاء. والعنصرية والإقصاء هي أداة البسطاء والضعفاء، ووسيلتهم للنيل والإطاحة بالآخرين حين غياب القيم الفكرية والعدالة المجتمعية، لذا يا أبناء بلدي باختلاف أعراقكم وثقافاتكم وطوائفكم فإنني أبدأ بنفسي فأقول إنني أحترمكم وأقدركم، بل وأحبكم.
وإنني لأمد يدي إليكم في مصافحة ودية عربونا للتآخي، والتعايش، والتحضر والمدنية. أمد يدي إليكم وأقول إن هذه أرض الله فلا تغضبوه بالتأله فيها.
أمد يدي إليكم وأقول إن تواجدي لا ينفي تواجدك، وإرثي وثقافتي لا تنفي إرثك وثقافتك، وإن التأريخ والتوثيق علم تستطيع التخصص فيه لتوثيق ثقافتك بدون الطعن في ثقافات الآخرين، وإن تنوع الثقافات يغني المجتمعات وينميها في حال قدرت واحترمت بعضها وحقها الإلهي في التواجد والاستمرار.
أمد يدي إليكم وأقول بحرقة : نحن أمة تكالبت علينا الأمم من خلال تكالبها على نفسها، وانشغالها في الماضي السحيق عن بناء الحاضر والمستقبل. نحن أمة أخرتها أنسابها وأساطيرها وموروثاتها، فإن لم تنفض عنها عفار التعصب والتشدد والكبر الفارغ فستختفي في المستقبل وليبكِ وقتها الأجداد على الأحفاد الذين يعيشون في عالم لا تواجد لنا فيه، لذا لن نسمح بأن نصبح مملكة الخوف، فيما نحن مملكة الحضارات.
فسر قوتنا في تنوعنا، وسر قوتنا في تعايشنا، وسر قوتنا في تكامل اختلافاتنا، وسر قوتنا في الأخذ بأسباب المدنية والتحضر، باحترام قوانين تجرم التعصب، وفي تركيزنا على أسباب التقدم، فحقا حقا كفانا تأخرا.
المصدر : صحيفة مكة 1438/4/11هـ