من مكة مع التحيات
هناك كتَّاب تمكنت منهم وتوغلت في أعماقمهم خفَّة الروح والمرح، حتى أنهم بهذه الصفة أو الميزة التي تعتبر موهبة لا يملكها الجميع أن يصلوا إلى قلوب القارئين من جهة أولى، وإلى المتلقين مشافهة بالإصغاء والسماع وطلب المزيد منهم، وهم بوجودهم في المجالس، والمنتديات الجماعية، يكونون في الواجهة حيث يتقرر أقرب من يحاذي الواحد منه أن يبادره بنكته، أو طرفة، أو تذكيره ببعض ما سمع منه بغية جره للحديث، وقد كان منهم الأدباء والكتاب الذين يطلَّون عبر الصحف والمجلات والإذاعة كمتحدثين، ووصلوا إلى التلفزيون والمسرح، وكانت لهم شعبية بين المتلقين على المستويات المختلفة، ليست هذه الصِّفة إلا ميزة لهم لكونهم مزجوا الموضوع العام الذي يهم الناس ويتحدث فيه المهتمون والمتخصصون، وعجنوه وقدموه بأساليبهم الخاصة التي تصل إلى القارئين والسامعين، والمشاهدين بيسر.
لا أريد حصرهم جميعاً ولكن أذكِّر ببعض الروَّاد الذين كانوا يتصفون بهذه الروح والذين جاءت نماذجهم في القصة والمسرحية، والاسكتشات، والمسلسلات الإذاعية، فالشاعر (أحمد قنديل) كان في الشعر الحلمنتيشي كما في ديوان (المركاز) والحكاية الشعبية مثلما هي في كتابه (أبو عرَّام والبشكة) وله الكثير من الكتب والدواوين الشعرية والسيرة الذاتية، و(أمين سالم رويحي) وهو من أول كتاب القصة وأصدر مجموعتين مبكراً هما (الحنيَّنة) و(الأذن تعشق) ولكنه اشتهر ككاتب عبر جريدة المدينة المنورة ببابه الأسبوعي (أبو حياة والناس) يتناول فيه القضايا الاجتماعية، يرد فيه على رسائل القارئين، ويستمد من بعض الرسائل ما يشارك به كموضوع مجيّر لنفسه من قارئه، وكان مريدوه يتزايدون لما يطرحه في المقال من مشاركات في حلول مشاكل بعض القراء الذين يبعث بعضهم بمشكلة عائلية مثلاً طالباً رأي أبي حياة فيها ليجد النصيحة والحل الذي قد يصيب/ يخطئ حسب التقبل.
الثالث الذي عنونت الموضع بعنوان مجموعته القصصية الوحيدة هو: الكاتب المكي خفيف الظل (لقمان يونس) فهو الذي كان حركة كتابية مستمرة عبر العديد من الصحف والمجلات فلم يكن يلتزم مع صحيفة واحدة، كتب في الندوة، وقريش بمكة، والبلاد والمدينة بجدة، وجريدة اليوم في المنطقة الشرقية ورأس تحريرها لفترة، ونشر في قافلة الزيت، ومجلة المنهل، واقرأ في جدة، ومع أنه ليس له إلا هذه المجموعة (من مكة مع التحيات) إلا أنه يعتبر من الكتاب الروَّاد وقد جمع بين كتابة القصة، والمقالة، ومارس النقد الأدبي، وذلك إلى جانب عمله كموظف في أرامكو، وفرع وزارة الإعلام، وجاء في قاموس الأدباء عنه: يميل في كتاباته القصصية الاجتماعية إلى السُّخرية اللاَّذعة دون تجريح -كما ذكر د. حمد الدخيل- في قاموس الأدباء السعوديين، وزود ذلك بما قاله الأستاذ لقمان يونس عن قصصه: "هذه القصص هي في الواقع مقالات صحفية كنت أرمي من وراء نشرها إلى معالجة بعض مشاكلنا الاجتماعية، أو على الأقل إلى تفتيح العيون إلى وجودها البشع. وقد لجأت إلى القالب القصصي، لأتمكن بواسطه ما أدير من الحوار بين الشخصيات من ممارسة مزيد من الحرية في التعبير".
التقيته في المدينة المنورة عند أحد أقربائه، الذي دعاني مع مدير ميناء ينبع حينذاك الأستاذ محمد عون -كنت في مهمة صحفية- وكان من ضمن الحضور البحار الاغريقي (محمد ناصوف) الذي كان يعمل مرشداً في الميناء، وكان يتصدر القاعة الأستاذ لقمان، وقد مضى الوقت سريعاً مفعماً بالمرح والمعلومات، خاصة بين لقمان وناصوف، حيث حضرت اللغة الإنجليزية والإندونيسية، واليونانية والعربية المكسَّرة من ناصوف. (من مكة مع التحيات) تحتاج ليس لطبعة واحدة بل لعدة طبعات ففيها المتعة مع الفائدة.
المصدر : صحيفة الرياض 1438/4/23هـ