شربة من زمزم.. قبلة الدنيا
أماكن قليلة جدا يزورها المرء في عالمنا هذا فلا ينفك يتذكرها، ويرنو إليها، وتحنّ إليها نفسه كلما خلا أو عاد إلى ذكرياته، ونقّب عما يحبّ. والأماكن قد لا تكون مدنا ولا قرى ولا أحياء ولا هجرا، يمكن أن تكون مواقف، وقصصا وحكايات، فما بالك إذا كان المكان الذي تهفو إليه نفسي يجمع بين الاثنين؟.
قبل ما ينيف على عشرة أعوام مضت التقيت أحد الزملاء الذي أصبح صديقا بعدها، و(بعدها) هذه يمكن قياسها بسويعات فالرجل آسر بخُلقه، لافت بسمته وابتسامته، وكريم طباعه، وإقباله على زملائه ودعمهم، كنا في برنامج تدريبي طويل في جامعة أم القرى، وكان الصديق الأستاذ حسن مكّاوي حفيا بنا، ناهضا في عوننا، ومضيفا جوادا منذ الوهلة الأولى التي التقيناه فيها، اقتربت من الرجل فوجدته يحمل هما ماتعا، وينوء بعمل جبار، ويحمل رسالة مضيئة، ويرى في الأفق منجزا ثرا.
كان حينها يشرف على منتديات قبلة الدنيا حين كانت للمنتديات الإلكترونية صولاتها وجولاتها، أخبرني بذلك ودعاني للكتابة فيها، وبما أن توجهي لغويّ أدبي، دلفت إلى الرواق الأدبي تحت أسم (أبو مها) وكانت لي أنا الآخر صولاتي وجولاتي في تعقيباتي على الإخوة والأخوات أعضاء المنتديات، وفي ورش القصة التي كنت أقيمها وأعلق على نتاجهم فيها. حينها وفي كل لقاء بحسن المكاوي الأصيل كنت أرى في عينيه أبعد من المنتديات، كان يريد أمرا أكبر وأشمل يخدم به قبلة الدنيا مكة المكرمة تاريخا وثقافة وحراكا اجتماعيا ونتاجا أدبيا، وكنت أرى العزيمة والإصرار يشعان في حديثه ونبرة صوته و إيحاءات ملامحه.
والحقّ أني أيقنت أن هذا الشابّ سيحقق يوما ما هدفه ومبتغاه؛ فالرسالة سامية، والغاية نبيلة.
فرقتنا بعدها شعب الحياة، وغادرت الجامعة وصديقي كذلك، لكني لم أغادر مكة ولا حسن مكاوي، ولا المنتديات، لم يذهب الطعم ولا الجاذبية ولا قدسية المكان، وأنى لها أن تغادر قلب محبّ شغوف ؟ اليوم - بل الآن- أضحى موقع قبلة الدنيا الإلكتروني، والمتجر الذي أنشئ خدمة له ولأهل مكة علامة فارقة في المشهد الثقافي والاجتماعي السعودي بل الإقليمي والعالمي ، وصل الصديق حسن ورفقاء دربه والمحبون العاشقون إلى مبتغاهم، ها نحن نحتفل بمرور خمسة عشر عاما تتويجا وفخرا وخدمة وعطاء .
أ لم أقل إني لم أغادر المكان ؟ مكة العامرة وموقع قبلة الدنيا، وهذه –لعمري- حُسنيان لا أفتأ أشكر الله عليهما، ثم أحمده كثيرا أن التقيت هذا الصديق المخلص لبلده ومقدساته أكثر الله من أمثاله وحفظه.
بقلم | الأستاذ : يحيى بن محمد العلكمي - أبها | تم النشر في 1438/6/16هـ