جوزيف أول إنجليزي يدخل مكة
شكلت رحلة الحج إلى بيت الله الحرام هدفا للعديد من المستشرقين سعوا لتحقيقه رغبة في التعرف على مكة المكرمة وما تحمله رحلة الحج من شعائر دينية، وكان المستشرق الإنجليزي جوزيف بيتس الذي عرف بــ«الحاج يوسف» أول إنجليزي يزورمكة المكرمة، وثاني أوروبي يزورها بعد البرتغالي لودفيكو دي فارتيما الذي قيل إنه إيطالي، وعرف بـ«الحاج يونس المصري»، ووصل إلى مكة المكرمة في (أبريل - يونيو 1503)، كواحد من المرافقين للمماليك في قافلة الحج.
وجوزيف بيتس الذى عرف بـ«الحاج يوسف» شاب إنجليزي جمع بين الأسر الذي وقع به فحوله إلى عبد مملوك، والثقافة التي يحملها،وكانت رحلته في عام 1680م برفقه مولاه، حيث استقلا سفينة ضمن ركب الحج الجزائري عبر البحر الأبيض المتوسط وبعد ما يزيد على 40 يوما وصلا إلى الإسكندرية التي مكثا بها زهاء 20 يوما، ومنها إلى القاهرة، ثم واصلا رحلتهما فعبرا البحر الأحمر حتى وصلا إلى ميناء رابغ، حيث ميقات «الجحفة»، وهى قريبة من «رابغ» بينها وبين مكة 204 كيلو مترات، تمثل ميقات أهل مصر والشام ومن يمر عليها.
ووصول جوزيف بيتس ومولاه إلى الجحفة وإحرامهما منها يعني اقترابهما من مكة المكرمة التي شكلت مقصدا لجوزيف وغاية يبحث عنها، ووصلا إلى جدة حيث الميناء الذي ترسو به سفن الحجاج، ومنه بدأت أولى خطواته نحو تدوين رحلته، فتحدث عن جدة المدينة الساحلية مرسى سفن الحجيج، حديثا كاملا شاملا موضحا طرازها المعماري والحياة الاجتماعية لسكانها، وتواجد وكلاءالمطوفين بالميناء لاستقبال الحجاج القادمين بالسفن ومساعدتهم، وهذا يعني أن المطوفين قد تواجدوا خلال تلك الفترة وما قبلها وبعد أيام من وصولهما إلى جدة كانت الرحلة إلى مكة المكرمة.
وقد تميز أسلوب جوزيف بيتس في الكتابة بالسرد اليومي فتناول الكثير من دقائق الأمور، ولم يهمل جانبا أو يلغي آخر، فمكة المكرمة كان وصفه لها شاملا وواضحا، فقد أشار « إلى أنه دخلها من شارع واسع يتوسط مباني تتناثر على يمينه ويساره ويؤدي هذا الطريق إلى الحرم مباشرة، حتى دخل الحرم المكي من باب السلام ».
ويقول بيتس إنه تأثر كثيرا حين سمع تلبية الحجاج لأول مرة، ولم يستطع أن يحبس دموعه، كما وصف تأثر الحجاج لدى مشاهدتهم الكعبة المشرفة وطوافهم حولها، وهو التأثر ذاته عند مشاهدة مواكب الحجيج الواقفين على صعيد عرفات. وعن ذلك المشهد يقول :« لقد كان مشهدا يخلب اللب حقا أن ترى هذه الآلاف المؤلفة في لباس التواضع والتجرد من ملذات الدنيا، برؤوسهم العارية وقد بللت الدموع وجناتهم، وأن تسمع تضرعاتهم طالبين الغفران والصفح لبدء حياة جديدة ». سطر بيتس كثيرا من مشاهداته في رحلته هذه حيث وصف الحرم وذكر أن له 42 بابا، وتتوسط الكعبة الحرم، وهي مكسوة بالقماش الأسود ومطرزة بالخيوط الذهبية، وعليها بعض الكتابات ولها باب جميل بارتفاع مترين. كما تطرق للحديث عن ماء زمزم، والسعي بين الصفا والمروة، ومشاهد أيام التشريق.
وتحدث عن جو مكة شديد الحرارة، وعن مبانيها التي بدت له متواضعة وغير مؤهلة لاستقبال آلاف الحجاج في تلك الحقبة الزمنية.
وعقب نهاية الحج، توجه ومن معه إلى المدينة المنورة، حيث استأجروا جمالا، وسارت القافلة لمدة عشرة أيام حتى وصلت إلى المدينة النبوية. وقد تناول بيتس وصف تلك الأيام وصعوبة الرحلة والخوف من اللصوص وقطاع الطرق وما إلى ذلك من مصاعب ومخاطر في القرن السابع عشر.
جريدة مكة | الاثنين 12 جمادى الأولى 1439 / 29 يناير - 2018