الرازي.. و طبيب العائلة
لا زلتُ أتذكَّر أيام بعثتي لدراسة الدكتوراه في جامعة ويلز في عشرة التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، في ذلك الوقت، كان على الواحد مِنَّا أن يُسجِّل أفراد عائلته عند طبيب يُسمَّى طبيب الأسرة، الذي يتم عن طريقه الكشف على أي فرد من الأسرة لو تعرَّض لعارض صحي، وعند طريق هذا الطبيب يتم تحويل الحالات التي تستدعي فحوصات متقدمة، أو تلك التي تحتاج إلى عمليات جراحية، إلى المستشفى، ومعروف أن الخدمات الطبية تُقدَّم مجاناً في بريطانيا في ذلك الوقت، بما فيها الوصفة الطبية. وفي العادة يكون هذا الطبيب على علمٍ بالحالة المرضية لكافة أفراد الأسرة، لأن لديه المعلومات أو ما يُسمَّى بالتاريخ المرضي لهم.
والملفت أن عرض الحالة على طبيب الأسرة هي إحدى نصائح الطبيب والعالم المسلم أبوبكر بن محمد الرازي في كتابه (الحاوي في الطب)، الذي ورد فيه: (الأفضل أن يكون لك طبيب واحد (طبيب الأسرة) ذلك لأن كل طبيب تذهب إليه للمرة الأولى -في الطب الباطني خاصة- يُجرِّب معرفته فيك، فمِن الأولى -والكلام للرازي- أن تقع في خطأ طبيب واحد في حياتك من أن تقع كل يوم في خطأ طبيب).
وقديماً كان لكل أسرة في مكة المكرمة طبيب -أشبه ما يكون بصديق الأسرة- على علم بحالتهم المرضية، ويقوم بتقديم النصائح الطبية لهم ومعالجة مرضاهم، وفائدة الطبيب الواحد لا خفاء فيها، ثم لابد من أن يكون الطبيب صديقاً للعائلة، فعندها تكون إصابته في تشخيص مرض أي فرد فيهم أكثر وأحسن.
وأذكر أن الطبيب الذي كان الوالد يرحمه الله يعتبره طبيب العائلة ويأخذنا إليه في حالة شعور أحد مِنَّا بعارضٍ صحي هو الدكتور حامد هرساني ابن مكة المكرمة، ووزير الصحة الأسبق، يرحمه الله، وكانت عيادته في شارع الهرساني أمام زقاق القلعة بمكة المكرمة، وكان مقابل الكشف مقداره ريالان على ما أعتقد.
وهنا حاولت أن أتكلم عن أحد الأطباء الذين غادروا هذه الحياة الدنيا، حتى لا يُقال أن كلامي إعلانٌ. ولا زالت في الذاكرة حين أخذني الوالد إلى عيادته قبل أكثر من أربعة عقود، وكنتُ أعاني من وقتٍ لآخر آلاماً شديدة في المعدة، وكان الدكتور حامد هرساني في إجازة في ذلك الوقت، أخذني الوالد رحمه الله إلى أكثر من طبيب، وكان وقتها الأطباء في مكة في الغالب من الجالية الهندية وبعض الأطباء من الإخوة المصريين أو بعض البعثات الطبية المرافقة لحجاج بعض الدول، والتي كانت تُقدِّم بعض خدماتها الطبية البسيطة لبعض الحجاج والأهالي في ذلك الوقت. ولم يتم تشخيص ما أعاني منه، وكنتُ أستعمل بعض المسكنات التي أشعر بالألم حال انتهاء مفعولها، إلى أن داوم دكتور العائلة، وأعنى به الدكتور هرساني، وبعد أن قام بعمل الفحوصات اللازمة، قدَّم لي بعض النصائح، وصرف لي الدواء، ومن يومها ولله الحمد والمنة كانت نهاية المعاناة.
صحيفة المدينة