أطباء مكة قديماً
حينما يجلس الإنسان في جلسة تذكُّر لماضي هذه البلاد المباركة مقارنًا ماضيها بحاضرها يتملكه العجب من هذا التطور المذهل الذي مرت به بلادنا الحبيبة.
فما نعيشه الآن من تطور في الخدمات الطبية التي تقدمها المملكة سواء للمواطنين أو حجاج بيت الله الحرام يجعل الواحد منا يلهج بالدعاء لولاة أمرنا، فعلى سبيل المثال، كان العلاج والتداوي من الأمراض في مكة قبل نصف قرن تقريبًا يعتمد على الطب النبوي وكذلك الشعبي، الذي يستخدم الأعشاب والكي والعسل والسمن البلدي. حتى وفد بعض الأطباء خاصةً من الهند ومصر وبلاد الشام لعلاج أبناء مكة والوافدين إليها بمبالغ يسيرة أو تقرباً الى الله. ففي مخزون الذاكرة أن أبناء مكة عندما يصاب أحدهم بكسر في قدمه أو يده، كانوا يذهبون به لشخص مشهور في منطقة جرول العتيبية يقال له «بن صالح»، حيث يقوم بجبر الكسر وذلك بدهنه بالسمن البلدي ثم تضميده بواسطة قطع خشبية مستخدمًا قطعة قماش للف. أما من كان منهم يشعر بالصداع والآلام المتفرقة في الجسم فإن الحجامة هي الدواء، وكان الحجَّامون ينتشرون في جهات معروفة فـ»مالم ماتو» في برحة «مالم موسى» في المسفلة، و «مالم سعيدو» في شارع منصور (كلمة «مالم» تعني عالماً أو شيخاً في اللغة الهوساوية).
أما الأمراض العصبية والروماتيزم فعلاجها (الكي) ويقوم بها بعض أبناء البادية. وفي أغلب الأحوال كانت الأعشاب خاصة عند الولادة أو بعض آلام البطن هي الدواء، ولذلك يتوجهون إلى العطَّار المشهور في ذلك الوقت «مياجان».
أما الطب الحديث فقد كان موجودًا؛ يعمل به بعض الأطباء القادمين من خارج المملكة أذكر منهم الطبيب الهندي «زين الدين ساقودانا» وكانت عيادته في الحفائر، والطبيب سيف الله جان وعيادته في الغزة في عمارة الجفالي، وهو من أشهر الأطباء لدى أبناء مكة قديماً.
في طب العيون، ولا أحد من أهل مكة يشكك في قدرات الدكتور إمداد علي وعيادته في محلة أجياد، ولا زلت أتذكر وأنا في سن السادسة تقريباً حين قام بعمل عملية إزالة المياه البيضاء في منزلنا في دحلة الولاية لجدتي أم الوالد -رحمهم الله جميعاً- بأدوات بدائية ونجحت العملية وأصبحت يرحمها الله تشاهد أخاها وهو خارج من منزله الذي يبعد أكثر من 1000 متر عن منزل الوالد.
أما طب الأسنان فاشتهر به الدكتور عباس كراره، وكانت عيادته في الغزة أمام عمارة الجفالي. ويأتي تخصص المسالك البولية والبواسير ليشتهر به الطبيب فوزي الزيميتي في عيادته في عمارة (ابن سليم) في مدخل الشعب. ولا يغيب عن الذاكرة كل من الدكتور صلاح عبد الحميد والدكتور مصطفي عبادة والد المهندس مهاب بأمانة العاصمة المقدسة، وكانت عيادتاهما في عمارة الجفالي في شارع الغزة الشهير بالعيادات الطبية في ذلك الوقت. أما طب الأطفال فاشتهر به الدكتور وليد العلبي.
واللافت للنظر أن هؤلاء الأطباء لم تكن عياداتهم مجهزة بأجهزة أشعة أو تحاليل، كل ما في الأمر أنهم كانوا بمجرد وصف الألم وبواسطة أجهزة بدائية يصرفون الدواء الشافي بأذن الله. قال تعالى في كتابه الكريم: «وإذا مرضت فهو يشفين».