فرح داخل قصر الحريقي

خالد محمد الحسيني*

منذ أن بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن المنزل الأثري في حي الجميزة أو كما يقال عنه “طريق الملوك” لأنه امتداد لقصر السقاف أو البياضية الذي كان الملك عبدالعزيز رحمه الله ينزل فيه فترة وجوده في مكة المكرمة، عاد بي الزمن لنصف قرن، إذ يقع المنزل في حارتنا “الجميزة” وأذكر في نهاية الثمانينات الهجرية حضرت مع والدتي رحمها الله حفل زواج لأحد أبناء جيراننا وأذكر أن غرفه كانت منقوشة ومزينة بالعديد من الألوان وكذا أسقف الغُرف، وتم تخصيص المنزل الذي يعود لأسرة الحريقي لاحتفال السيدات، وفي ساحة مجاورة أقيم حفل الرجال وحضره الفنان طارق عبدالحكيم والفنان عبدالله محمد رحمهما الله.

مرت الأيام وعندما انتهيت من الدراسة الابتدائية في المدرسة المحمدية التي كان موقعها في الجهة المقابلة لبيت الحريقي كان مبنى مدرسة عبدالله ابن الزبير المتوسطة مجاور لبيت الحريقي، وكنا نراه في الدخول والخروج، وظل سنوات طويلة لم يسكنه أحد، لكنه كان إضافة للبناء الحجازي أو المكي القديم بأدواره وبلكوناته ونوافذه ونقوشه وألوانه، وقبل عام نشرت الصحف صورًا لبداية هدم البيت الجميل، ثم قيل أن أمانة العاصمة أوقفت الهدم، وقبل أيام نُشرت صورًا للمبنى، وقد أزيل بالكامل، وتوقفت أمام الآراء التي تضمنتها أخبار الهدم وأهمية البيت، وقدمه بعد أن تمت إزالة العديد من البيوت القديمة لصالح التوسعة وأهمية المحافظة عليه.

كنت انتظر أن تتدخل الجهة صاحبة العلاقة للمحافظة على البيت أو ما بقي منه وترميمه، لكن أمر إزالته يعود لأصحابه أو ورثتهم لاستثماره أو بيعه أو هدمه، وكان الأولى من الناس الذين عارضوا هدمه أن يسألوا عن الأسباب، وقد ذهب قصر الحريقي كما ذهبت عشرات المنازل القديمة في مكة المكرمة ولم يبقى للآن إلا أطلال قصر السقاف الذي كان قبل أربعة عقود مقرًا لرابطة العالم الإسلامي فترة أمانة معالي الشيخ محمد علي الحركان ونائبه الشيخ محمد صفوت السقا أميني رحمهما الله وحضرنا فيه العديد من اللقاءات والمؤتمرات، وطوال هذه السنوات لم يجد أي اهتمام، وكذا قصر السليمان في التيسير وآخر في جرول، ومنزل البوقري المجاور لساحة إسلام، وقصر الملك فيصل في العدل والذي حضرنا فيه حفل عشاء مع الملك خالد يرحمه الله بعد تغيير باب الكعبة الجديد في 1399هـ، وهي ما بقي من قصور قديمة في مكة المكرمة.

ما يقال عن بقية مواقع موجودة في مكة لا تصل لقِدم ماذكرناه، فهل تبقى كآخر شاهد على البناء الأثري في مكة، أم سيكون مصيرها كقصر الحريقي الذي ظل شامخًا قرابة سبعة عقود ثم أصبح أثرًا بعد عين؟!

*تربوي وإعلامي

نقلا عن صحيفة مكة الآن