وادي فاطمة وخلاف تسميته
كلما توجهت صوب المدينة المنورة أو عدت منها، توقفني لوحات إرشادية كتب عليها «وادي فاطمة»، فمن هي فاطمة هذه التي نسب الوادي إليها؟
كان هذا السؤال مدار بحث جعلني أنقب بين صفحات الكتب والمراجع الجغرافية والتاريخية، لعلي أصل إلى مسار يجيب عنه، فوقفت أول ما وقفت أمام وصف المستشرق الإنجليزي جون بيركهارت، في كتابه رحلات إلى شبه الجزيرة العربية، إذ وصف وادي فاطمة بقوله إنه «عبارة عن أرض منخفضة تزخر بالينابيع والآبار، ويمتد إلى الشرق والشمال الشرقي لمسافة أربع إلى خمس ساعات من المشي. وتدعى النقطة الأبعد منه غربا (مدوه) وتقع في الجهة الغربية المزارع الرئيسية وإلى الشرق لا يزرع إلا في أماكن قليلة فقط. وقد تجلى لناظرينا في ذلك الاتجاه سهل يبلغ عرضه عدة أميال وقد غطته الجنبات، وتحيط به من الجانبين تلال منخفضة جرداء أو أرض مرتفعة. لكن يقال إنه مزروع جيدا باتجاه طرفه الشرق. ولوادي فاطمة تسميات مختلفة في أجزاء مختلفة، لكنه يعرف بالكامل عند أهل جدة ومكة باسم (الوادي)، ويدعوه المؤرخون العرب عادة وادي مر (مر الظهران)».
واختلف كثيرون في مسماه، فمنهم من قال إنه نسب إلى فاطمة بنت سعد الخزاعية أم قصي بن كلاب القرشي، ومنهم من أشار إلى أنه نسب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخرون ذهبوا للقول بأنه منسوب لفاطمة الخزاعية التي عرفت بـ «الطبيبة»، وإن كان هذا هو الأرجح، لكن فريقا آخر قال: إنه نسب لفاطمة بنت أمير مكة الشريف ثقبة بن رميثة، والتي تزوجها الشريف أحمد بن عجلان، وولدت له محمد الذي ولي إمارة مكة بعد وفاة أبيه.
ولم يكن وادي فاطمة معروفا بهذا الاسم في زمن الفاسي الذي أشار إليه باسم (وادي مر)، لكنه عرف بـ (مر الظهران).
وذكره البكري في معجمه بقوله «وقال كثيّر عزة سميت مرّا لمرارتها». وهناك تعليلات أخرى ومن ذلك قول أبي غسان «سميت ذلك لأن في بطن الوادي بين مر ونخلة كتابا بعرق من الأرض أبيض: هجاء مر، إلا أن الميم غير موصولة الراء».
وسمع جار الله الهاشمي صاحب (حسن القرى) بتسمية وادي فاطمة من بعض الحجاج، ومن يقرأ هذا الكتاب يلحظ أن الهاشمي قد أنكر التسمية في بلدانيته، وأبقى على تسمية الوادي بـ (وادي مر). غير أن الشريف محمد بن منصور ذكر في كتابه (العيون في الحجاز) أن وادي فاطمة ينسب إلى فاطمة الخزاعية الطبيبة، وقال «وتزعم العامة أن فاطمة التي أضيف إليها الوادي وعرف بها هي امرأة من خزاعة كانت تسكن ناحية منه، وكانت طبيبة حاذقة يأتيها الناس للتداوي عندها، فشاع ذلك عنها، وبعد صيتها في تهامة فعرف الوادي بها وأضيف إليها».
وأكد الشريف محمد بن منصور التسمية لفاطمة بنت الشريف ثقبة بن رميثة بقوله «إنها كانت امرأة ذات فضل وجود»، وهو ما أشار إليه أيضا الدكتور السرياني بقوله «وهي من الأشراف سكان الوادي، وقضت شطرا كبيرا من حياتها فيه، مما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأنها ربما تكون هي التي أعطت هذا الوادي اسمه الحالي ـ وادي فاطمة».
فيما ذكر الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي أن الوادي سمي بوادي فاطمة نسبة إلى فاطمة الطبرية، وقال «كانت هذه المحدثة تقضي أياما في وادي مر في مزرعة لها، وذلك الوادي على مرور الأيام عرف بها فأطلق عليه وادي فاطمة».
وإن كان سبب تسمية الوادي باسم فاطمة يبقى مثار خلاف لاختلاف المؤرخين حول تسميته، فإن هذا يستلزم قيام باحثين متخصصين بإجراء دراسات بحثية لإثبات صحة سبب التسمية، بعد أن أصبحت المصادر متوفرة والمعلومة قريبة.
منقول من صحيفة مكة 7 جماد الاولى 1441هـ