زوال «إمبراطوريات» بعثات وشركات الحج
دار حوار بيني وبين حاج VIP، بادرني بسؤال يحمل استغرابا كبيرا قائلا: أنا رجل مقتدر ماليا، لكن أليست الـ 130 ألف ريال مبلغا كبيرا جدا كتكلفة لأداء فريضة الحج، بالنسبة لأشخاص تتراوح فترة تواجدهم في المملكة ما بين 7 و10 أيام فقط، أجبته قائلا: قبل أن أجيب عن سؤالك، هل تعلم أن هناك حجاجا من أبناء جلدتك أيضا يدفعون ما يقارب 220 ألف ريال؟ ومن المتوقع أن بعثة الحج التابعة لكم قد أوهمتكم بأن كامل المبلغ هو عبارة عن تكاليف ومصروفات تدفع لجهات داخل المملكة العربية السعودية!
هذا متوقع لكن الأكيد أنك رجل أعمال تملك نظرة وقراءة خاصة لما تشاهده، كيف فاتت عليك كل «أصول وممتلكات» بعثة الحج التي أوصلتك إلى الديار المقدسة؟! ألم تسأل نفسك كيف أصبح مقر بعثة الحج «المملوك» ناطحة سحاب؟ كيف تملك بعثة حج مصنعا لإنتاج الكمبيوترات؟! وكيف تملك بعثة حج حصة كبيرة في مصنع سيارات؟! وتملك هنا وهناك فنادق وعقارات! وهل تعلم أن المبلغ المخصوم مقابل الخدمات التي تتوفر لك بمجرد وصولك إلى المملكة حتى مغادرتك لا يتجاوز 10% إلى 15% من الـ 130 ألف ريال التي دفعتها باستثناء الطيران والسكن.
ولنُدخل السكن والطيران لتتضح الصورة لك أكثر، ولنفرض أن تكلفة الطيران 25 ألف ريال والسكن 35 ألفا لمدة 8 أيام، أين ذهب الباقي؟ اذهب واسأل بعثة الحج! هذا والأمر لا يقتصر على الحجاج الـ VIP فقط، فالحال نفسه بالنسبة للفئات الاقتصادية، حيث إن قيمة الخدمة المدفوعة ليست سوى «ملاليم» بمعنى الكلمة، مقارنة بتكلفة الخدمة نفسها «سكن وتغذية ومواصلات» في دول نائية.
ليس هذا في بلدك فقط، دول أخرى مجاورة لبلدك تمارس بعثات الحج فيها ما هو أكبر من ذلك وأبشع، أتذكّر - قبل 15 سنة تقريبا - بعثة حج كانت تفاوض رجلا مكيا طاهرا، قائلة: نحن اتفقنا معك على أن إيجار المبنى 800 ألف ريال، ونحن نريد أن نجعل العقد بـ 1.5 مليون ريال، ومقابل هذا (رفع قيمة الإيجار) تكون المليون ريال من نصيبك! كان رد الرجل النقي «اللهم أغنني بحلالك عن حرامك»، هذا كان القول، أما الفعل.. تم تأجير المبنى لبعثة حج أخرى (رحمه الله وكثّر من أمثاله).
إن دور البعثات مهم جدا في المساهمة في تنظيم الحج، وما أتوقعه وأطالب به هو ما قصدته من العنوان «زوال الإمبراطوريات»، وهنا يأتي دور وزارة الحج والعمرة، إذ إن الشفافية في إظهار الخدمات وتكلفتها هي الحل الوحيد لإعادة بعثات الحج إلى دورها الرئيسي التنظيمي، وليس الاستثماري والاقتصادي! شفافية سوف تجعل بعثات وشركات الحج في مواجهة مباشرة مع الحاج، وتقطع الطريق على الفاسدين والمتلاعبين.
وزارة الحج والعمرة ومن خلال منصاتها الالكترونية السابقة والجديدة سوف تلعب دورا مهما في زوال الإمبراطوريات، لكن بقي عليها أن تسوّق هذه المنصات على مستوى العالم، وتظهرها للمستفيد النهائي «الحاج أو المعتمر»، ولو لمجرد الاطلاع إن كانت المنصة تعمل بنظام B2B.
ما ذكر كان غيضا من فيض. وإن «أغلب» بعثات وشركات الحج تحقق أرباحا فلكية من وراء فريضة الحج، وما يزعجني شخصيا أن تنسب لوطني هذه التكلفة الباهظة المبالغ فيها وهو منها بريء.
منقول من صحيفة مكة | الأربعاء 6 جمادى الأولى 1441 هـ