مكة الخضراء قريباً.. (1)
ما إن ينتهي موسم الحج من كل عام حتى تبدأ جميع الجهات الخدمية في كافة قطاعات الدولة بدراسة ما تحقق من إنجازات؛ فيتم دعم الإيجابيات ودراسة التحديات وتحويلها إلى فرص وإيجاد حلول ناجعة للتطوير والارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن. وحقيقة فإن الاهتمام ببيئة مكة والمشاعر المقدسة في الحج من أهم ما يجب الحرص عليه لتوفير بيئة نظيفة وآمنة لحجاج بيت الله الحرام.
وفي هذا الإطار كانت هناك جهود حثيثة ومنذ عام 1439هـ ومنها ما أطلق عليه (الحج الأخضر)، وطبقته بعض من شركات حجاج الداخل ومكاتب في مؤسسات الطوافة عام 1440هـ، بالشراكة مع جمعية البيئة السعودية وبالتعاون مع أمانة العاصمة المقدسة ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة لتفعيل المبادرة، عن طريق فرز النفايات من المصدر وتوعية الحجاج برمي المخلفات في الصناديق المخصصة لكل نوع من أنواع النفايات.
وقد حققت التجربة نجاحاً في إطار فرز النفايات لـ 28 مخيماً استفاد منها 40 ألف حاج، حيث توفرت لهم صناديق الفرز وصناديق ضغط النفايات من المصدر.. ولكن هذا العدد وبهذا الحجم لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من الاهتمام ببيئة المشاعر المقدسة؛ فالتلوث البيئي كبير والنفايات العضوية بلغت في موسم حج 1439هـ ( 51000 طن)، بالرغم من جهود أمانة العاصمة المقدسة المكثفة في إدارة النفايات واستخدام تكنولوجيا متطورة في الفرز، والجمع، والتخزين، والمعالجة، والتخلص منها.. ولعل ذلك يعود لأسباب كثيرة أهمها أن مفاهيم إدارة النفايات وفرزها غائبة ليس عند بعض من حجاج بيت الله الحرام فقط ، بل حتى من المواطنين فالجميع يقذف بالنفايات والمهملات في سلة واحدة وقلة قليلة جداً من تقوم بفرز الورق أو علب الصفيح في المنازل.
وقد لفت انتباهي خبر في إحدى صحفنا المحلية أن شركة (آركبيتا) تستحوذ على شركة (واست هارمونيكس الامريكية) Waste harmonics وترجمتها (تناغم النفايات)؛ وهي المتخصصة في تقديم حلول إدارة النفايات الشاملة بالتكنولوجيا المتقدمة للشركات الكبرى في جميع أنحاء أمريكا الشمالية بالإضافة إلى كندا وبورتريكو. وآركبيتا هي: شركة استثمار عالمية ومقرها المنامة - البحرين، حققت نمواً في إيراداتها بنسبة 44%، و250 مليون دولار استثماراتها في 2019م.. فلو لم تكن هناك إيرادات عالية في إدارة النفايات لما استحوذت هذه الشركة على حصة في وايست هارمونيكس.
وفي خطوة رائدة انتظرها الوطن طويلاً تم إنشاء (مركز وطني لإدارة النفايات)، حيث تم نقل المشروع من وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى وزارة البيئة والمياه والزراعة (صحيفة المدينة الجمعة 22/5/1441هـ) وقد تم وضع لائحة وضوابط واشتراطات لإدارة النفايات، فالهدر في طاقاتنا الوطنية قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء؛ ففي الوقت الذي تستورد الصين وألمانيا النفايات نرمي بها في مكب النفايات والذي بدوره يكون مصدراً لتلوث التربة، والهواء، والماء.. مما يسبب إضراراً بصحة الإنسان وتعرضه لكثير من الأمراض.
ولعل هذه الخطوة الرائدة سيكون لها أثر كبير في خفض التلوث البيئي في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وستتحول إلى مناطق خضراء بالضوابط والاشتراطات التي وضعها مركز إدارة النفايات للمحافظة على البيئة، مما يتطلب تضافر جهود جميع الجهات الخدمية في حسن تطبيق إدارة النفايات.
أتمنى أيضاً أن تبدأ شركات الطوافة في مكة المكرمة بالتفكير في عناصر استثمارية جديدة وطوال العام ومنها إدارة النفايات وعمل شراكة مع هذه الشركات للاستفادة منها في معالجة الأثر البيئي وجعل بيئة مكة خضراء .. وللحديث بقية إن شاء الله.