يا الله ... رحمة بأهل الحج

أكمل هذا العام شهر ذي القعدة ثلاثين يوما، وهذا بحد ذاته يعد خبرا سعيدا لكل من يعمل في موسم الحج، حيث يعتبر الجميع -يوم الثلاثين- يوما إضافيا في خطة العمل سواء فيما يتعلق بتجهيزات المشاعر أو منطقة سكن الحجاج في مكة. لكن وفي هذا العام لم يشعر بهذا اليوم أو يفرح به أحد. وأصبح أهل الحج ومن اعتادوا عليه في "تيه" هذه الأيام، يفضلون العزلة على الظهور ليذرفوا الدموع فيها ويستوعبوا الموقف.
 
يأتي شهر ذي الحجة هذا العام ثقيلا جداً على قلب كل من لم يفته الموسم في حياته، إن كنت عرفت الحج من سن التاسعة فغيري ولد فيه، رضع من ثدي أمه المطوفة في مشعر عرفات ومنى، أناس تذرف الدموع عند استقبال الحجيج فرحاً وتجهش بالبكاء عند مغادرتهم مكة حزناً. أيام اعتاد فيها الأهالي في مكة غياب الرجال عن بيوتهم، في حين تمارس النساء دور الأم  والأب، فالكل في تأهب لخدمة ضيوف الرحمن على مدار الساعة، عسكريا كان أو مطوفا أو موظف دولة أو بائع متجر بجوار الحرم، الكل في  مرابطة خارج المنزل، حتى الأطفال .. فبمجرد انتهاء المدرسة ينطلقون إما مع آبائهم في أعمال الحج، أو إلى (بسطاتهم) ليبيعوا للحجاج (تيه سوسو أو دود كرم). في هذه الأيام تكون النساء قد انتهين من تجهيز "المعمول"، وبدأن في توزيعه على الناس في الميادين، ترسله الواحدة منهن إلى والدها أو زوجها في مكتب الطوافة، أو تضعه في علب مُحكمة داخل حقائب أبنائها المتجهين إلى المشاعر المقدسة، حيث يجدون في انتظارهم في عرفة قرود الظهيرة وناموس الليل. في اعتقادي أن أجساد من يعملون في الحج هي أيضاً تعلم أنه في هذه الأيام سوف يكون الإجهاد حاضرا والنوم لا يتجاوز الأربع ساعات (نوم الصالحين)، فهي الأخرى تعيش الصدمة.
 
يا الله ... لن نسمع هذا العام (حّرَكوا من الجموم) أو (وصلوا الشميسي)، (باص رقم 34 عطلان ومقفّل الخط)، (الدفاع المدني عنده ملاحظات ورفض إطلاق التيار)، (ترى بينادوا في الجهاز ... ردوا)، (مع مين مفتاح غرفة الجوازات ؟)، (فلان كان يبغى يكلم خويه على الخاص وجاب العيد في العام على أجهزة البرافو)، (الكهربائي ما جا اليوم، ومعلم الجبس آند بورد ما خلّص شغله).
 
يا رب ... اربط على قلوب أناس سوف يرون الحج من خلال التلفاز فقط ... يا الله من يتصور !!، بل من يتصور أن تأتيه شهية الطعام على مائدة إفطار صوم يوم عرفة. يا رب أدخل الفرح على قلوب أناس يصلون العيد -لأول مرة في حياتهم- مع أبنائهم في مسجد الحي.
 
يا رب اربط على قلوب أناس خلقوا لخدمة ضيوفك.

نقلا عن صحيفة مكة