ذريعتا العشوائيات والتطوير .. وتفتيت النسيج الاجتماعي !!
أحدهم سمع منذ عدة سنوات بأن منزله سيدخل ضمن نطاق مشروع الطريق الموازي في مكة المكرمة ، و بالتالي سيتم نزع ملكيته ، أو إدخاله شريكاً في المشروع بقيمته ، ولكونه لا يستطيع البقاء شريكاً بمنزله الذي يسكنه ، بادر إلى بيعه ، و شراء أرض في مخطط الصبّان ، و بنى عليها منزلا بديلا ، و لم يمض على سكناه سنة إلاّ و جاءته الأخبار بمشروع الطريق الدائري الثالث ، و أن منزله الجديد يقع على مساره ، وسيتم نزع ملكيته لصالح المشروع ..
عائلة أخرى تتكون من أم وأولادها وزوجاتهم وأولادهم يقيمون في المنزل الذي لا يملكون غيره ، جاءتهم أخبار نزعه لصالح الطريق الدائري الثالث ، وهم في كرب و قلق لا يعلم قدره إلاّ الله سبحانه و تعالى ..
الكثير من سكان العشوائيات في مكة و جدة و الطائف يعيشون قلقاً كبيراً ، و يشعرون بالغبن و أحياناً القهر ، بسبب التوجه القائم حالياً نحو تطوير العشوائيات ، وفقاً للمنهج القائم على إزالة الأحياء بالكامل و إعادة بنائها من جديد ، وهذا برغم أن علماء العمارة و السكان يؤكدون فقدان الأحياء والمدن مكتملة البنيان حيويتها ، وتظل حتى بعد وجود السكان ، أحياء ومدن كئيبة ، تفتقد الحياة الطبيعية .. ولعل ذلك بسبب فقدان العلاقة بين السكان ، وضعف ارتباطهم بالمكان.
قد لا يختلف اثنان على أن للعشوائيات آثاراً سلبية اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً ، ولكن لابد أن نتفق على أن أسباب وجودها ، وبروزها كظاهرة لن تزول بإزالتها و إعادة بناء مشاريع حديثة مكانها ..
و من نافلة القول التأكيد بأن معالجة العشوائيات ليست طريقاً ذا إتجاه واحد ، و إنما هناك عدة طرق و اتجاهات و وسائل لتطويرها ..
و أما معالجة أوضاع الأحياء العشوائية بالطريقة الحالية القائمة على الإزالة و إعادة البناء من خلال شركات القطاع الخاص الاستثمارية ، يكتنفها العديد من المساوئ:
أولاً : أنها تجعل المواطن يدفع الثمن مرتين ، الأولى بسبب فشل مشاريع التنمية ، و الاضطرار للسكن في هذه العشوائيات ، و الثانية بإزالة مساكنهم ، و ترحيلهم منها ، و تدمير علاقاتهم الاجتماعية ، و تحويل ملكيتها إلى شركات القطاع الخاص.
ثانياً : أنها تقوم بتفتيت النسيج الاجتماعي ، الذي تشكل على مدى عقود ، خصوصاً في الأحياء القديمة ، من أمثال أحياء جدة القديمة المحيطة بقصر خزام ، و أحياء وسط البلد ، وهذا النسيج الاجتماعي يشتمل على علاقات إنسانية حميمة بين سكان تلك الأحياء القديمة ، نفتقدها كثيراً في أحيائنا الحديثة ، و أيضاً علاقات حميمة بين السكان والمكان الذي درجوا في طرقاته ، وترعرعوا بين جنباته.
ثالثاً : أن الأسلوب القائم حالياً وهو نزع الملكيات إعلانها شركات ، هو شكل من أشكال تركيز الثروة في أيدي الأغنياء منا ، والأصعب أن ذلك يتم على حساب الفقراء وذوي الدخل المحدود.
رابعاً : أن القطاع الخاص يتحرك وفق محددات الربحية و المصلحة المادية ، و لن يتقدم للمشاركة في إنجاز أجزاء من أدوار الدولة في تحقيق الرفاه الاجتماعي ، كإنشاء البنى التحتية ، أو توفير الخدمات الأساسية ، و غيرها ، إلاّ إن تحقق له من الامتيازات ما يحقق له الربحية ، وهو ما يجعله في الغالب في موقع من يفرض شروطه ، التي كثيراً ما تتجاوز المصلحة العامة ..
و لذلك فإنني أرى أهمية كبرى لإعادة النظر في الأسلوب المعتمد حالياً في تطوير العشوائيات والتطوير العمراني لمدن منطقة مكة المكرمة بشكل عام ، والنظر للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من زوايا أخرى ، و التي من بينها أن تتولى الدولة شق الطرق و تأسيس البنى التحتية ، في الأحياء العشوائية ، و ترك التطوير ينطلق بشكل طبيعي و حسب تطور حاجات سكان الأحياء ، بواسطة القطاع الخاص سواء أفرادا أو شركات ، و هو ما سوف يحافظ على النسيج العمراني و الأهم منه النسيج الاجتماعي ، الذي سوف يتضرر كثيراً فيما لو استمر الأسلوب الحالي ، لما قد يخلفه من مشاعر الإحباط بين المواطنين المتضررين ، وسوف تمتد آثاره السلبية على جميع خطط التنمية الطموحة التي أعلنها سمو أمير المنطقة ، و التي تحتاج في سبيل تحقيقها إلى شراكة حقيقية من شرائح واسعة من المواطنين ، وهي شراكة لن تتحقق -فيما أرى- إلاّ في ظل إلى شعور إيجابي ، وانتماء مفعم بالتفاؤل ، و إيمان كامل بأن هذه الخطط لم توضع إلاّ من أجل الجميع ، وليس لصالح القطاع الخاص ، و أن نتائجها ستكون لصالحهم و صالح أبنائهم و الأجيال التي من بعدهم .. و للحديث بقية ..
فاكس 5422611-02
Email: fayezjamal@yahoo.com
نشر هذا المقال بجريدة المدينة الاثنين 22/1/1430هـ