صــح النــوم

أثارت مقولة إزالة بعض المواقع الإسلامية الأثرية وتغيير مسميات بعضها الآخر في مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة جدلاً واسعاً في المشهدين الفكري والإعلامي، وتقدم لتأييدها عدد ممن يسيرون على نفس نهج وعقلية قائلها، بينما تصدى لها وناقض أطروحاتها قوم آخرون من المشايخ والمفكرين والمثقفين، ذوي قامة وقيمة عالية في مشهدنا الفكري الثقافي، منهم ابن مكة البار معالي الدكتور محمد عبده يماني والعلامة فضيلة الشيخ الدكتور عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان، وسعادة الأ ستاذ الدكتور عبدالعزيز رادين، وسعادة الأستاذ عبدالله فراج الشريف، وسعادة الأستاذ عبدالله عمر خياط وغيرهم كثير من ذوي الرأي الحصيف والمنهج السليم، وأصدقكم القول فمع احترامي لهؤلاء عجبت لأساتذتنا الأجلاء الذين تصدوا لهذه المقولة وساروا على منهج السلف الصالح وحرصهم فقهاء، ومؤرخين، وأدباء منذ القرن الأول الهجري على الحفاظ على تلك المقدسات والآثار وتخليدها وحمايتها، فللمكان إيماءاته وإشعاعاته الإيمانية، أقول ... عجبت .... فكل هؤلاء السادة العلماء والمفكرين يعرفون أن القول في هذه الأمور وأمثالها تعوّدنا أن يكون على طريقة الرأي الأوحد أو (ما أريكم إلا ما أرى) ولفئة واحدة لها القول الفصل فمن يعلم فربما ظلت الأمة على خطأ وعاشت على البدعة والضلالة عبر القرون حتى جاء أصحاب هذه الأقوال العجيبة الغريبة لتنبيهها واستنقاذها من رقدتها وكأن هذه الأراضي المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة لم يعش فيها بعد عصر النبوة، الخلفاء الراشدون الاجلاء أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي –رضوان الله عليهم أجمعين– ولم يعرفوا جبل ثور، وجبل الرحمة، وغار حراء، ومقابر المعلاة فلماذا لم يأمروا بما أمر به جهابذة الدعوة الأخيرة، ونذكّر أيضاً أن كبار الصحابة وعلى رأسهم الصحابي الجليل عمرو بن العاص -رضي الله عنه- حين دخلوا مصر ورأوا الحضارة الفرعونية بأهراماتها ورموزها كأبي الهول لم يدعوا إلى هدم تلك الآثار وإزالتها على الرغم من حداثة عهد أهل مصر بالإسلام، وتأكيداً على عجبي للآراء التي تناقض هدم الآثار أقول إن دعوة إزالتها هو نوع من الوصاية مورس كثيراً في أمور عدة من قبل واستمر فلمَ العجب ولمَ الاعتراض فهذه الآثار ... آثارنا ونحن نتحكم بها وليس لأحد في العالم الإسلامي علاقة بها فلنفعل بها ما نشاء ولا يهم ما يقال عنا بعدها، فأصحاب هذه الدعاوى بالطمس والإزالة ربما يكونون هم الأتقى وهم الأعلم ودائماً ما يكشفون عن صدور الناس ويشقون قلوبهم ليطلعوا عليها، أما الحفاظ على تلك الآثار وحمايتها وصونها ووضع إرشادات جميلة دائمة للتأدب معها والتعامل معها حسب الشريعة السمحاء بجميع اللغات وبكل وسائل التقنية والدعوة بالحسنى فليس مهماً!! أرأيتم مصدر عجبي، فكثيراً ما طرحت مواضيع دينية وجاء علاجها بمنهج واحد ورأي واحد يعلو ولا يُعلى عليه، ولكني آمل أن هذه الدعوة العجيبة سيكون مصيرها إلى زوال، خاصة وأنه قد صدر الأمر الملكي الكريم رقم (أ/178) في 29/11/1429هـ القاضي بتعديل مسمى منصب الأمين العام للهيئة العليا للسياحة إلى رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار والذي يأتي تفعيلاً لتنظيم الهيئة العامة للسياحة والآثار والصادر بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم (78) بتاريخ 16/3/1429هـ وليت الهيئة العامة للسياحة والآثار تكون من أولى مهامها الجسام في ثوبها الجديد الحفاظ على آثارنا الإسلامية... آثار كل مسلم ومسلمة... آثار العالم الإسلامي في كل أصقاع المعمورة وهذه أمانة في أعناقنا نسأل عنها يوم الدين.

رسالــــــــــة
يبدو أن هذا المجتمع عاش عقوداً من الضلالة والبدع بين المواقع الإسلامية الأثرية حتى قيّض الله له مؤخراً من ينتشله من براثن الجهل والجهالة بدعوة لإزالة وطمس تلك المواقع وتغيير مسمياتها.... فالحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وسيبقى هذا حالنا متى ما أعطينا عقولنا راحة إجبارية لتعوّدنا على غلبة الرأي الواحد دون نقاش علمي أو جدال بالتي هي أحسن.

نشر هذا المقال بجريدة المدينة 25/1/1430هـ