ذريعتا العشوائيات والتطوير .. تعقيب على تعقيب !!
اطلعت على تعقيب سعادة د.م سامي بن ياسين برهمين، المتحدث باسم مشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية بمنطقة مكة المكرمة، على مقالي الذي نُشر الاثنين الماضي، تحت عنوان (ذريعتا العشوائيات والتطوير.. وتفتيت النسيج الاجتماعي)، وأود في البداية أن أبدي سعادتي بتعقيب سعادته كمسئول من حيث المبدأ، لأن المواطن في حاجة إلى المزيد من الإيضاحات من الجهات الرسمية ، حول العديد من القضايا التي يطرحها الكتّاب والصحفيون، وهو أمر يحث عليه خادم الحرمين الشريفين سدده الله جميع المسئولين ، منذ أن كان ولياً للعهد.
وأما مضمون تعقيب سعادته فلي معه الوقفات التالية:
1. ان التعقيب توجه نحو تخصيص ما أطلقته، في حديثي عن ذريعتي العشوائيات والتطوير، بأن جعله موجها للدولة، و ذلك عندما تساءل « وهل يعقل أن تهتم الدولة بمعالجة وتطوير الأحياء العشوائية على أعلى المستويات، وتدفع حشدا من كبار المسئولين في الدولة للمشاركة في إنفاذ هذا المشروع، لمجرد النظر في اتخاذ التطوير ذريعة لإزالة الأحياء العشوائية وتفتيت نسيجها الاجتماعي....؟!!»
فالأمر ليس كذلك، ولا أعتقد أن أحداً فهم من مقالي بأن الدولة دفعت حشدا من كبار المسئولين «لمجرد النظر في اتخاذ التطوير ذريعة لإزالة الأحياء العشوائية، وتفتيت نسيجها الاجتماعي»، هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك طرف مهم وفاعل في المعادلة وهو القطاع الخاص، ولمصالحه الخاصة تأثير كبير على تفاعلاته، والتي من بينها تتبع الذرائع أينما وُجدت لخدمة مصالحه، فهو ليس كالقطاع العام الذي يعمل من أجل المصلحة العامة والعامة فقط، والمشاريع التي أعلن عنها، لم يُعلن عنها إلاّ بعد مشاركة القطاع الخاص في دراستها، وتحديد مصالحه فيها بشكل دقيق.
2. لابد أن نتفق على أن الأصل هو أن تقوم الدولة بشق الطرق، وتأسيس البنى التحتية، وتوفير الأمن، والخدمات الصحية والتعليمية. وأن القطاع الخاص يستفيد مما توفره الدولة، وبدوره يبحث عن فرص الربح مما يقدمه من سلع وخدمات.
3. ان القطاع الخاص لن يتحمل أي أعباء كتلك التي وردت في ثنايا التعقيب، كالدراسات وتحديث البنى التحتية وتوفير المرافق وفتح الطرق وما إلى ذلك، لأنها ببساطة ستكون ضمن تكاليفه، والتي ستكون في النهاية -قطعاً- أقل مما سيحصل عليه، وبالتالي فلا يصح تسميتها بالأعباء، إلاّ إذا قبلنا أن تكاليف أي سلعة أو خدمة يبيعها التاجر ويربح من بيعها هي عبء يستحق عليه الثناء من المشتري!!
4. ان ما يعزز القلق لدى المواطنين هو عدم الإعلان عن الخطوات التي ينوي مشروع معالجة العشوائيات، اتخاذها، أو القيام بها تجاه، الأنواع الأخرى من العشوائيات، التي ليس لها مقومات استثمارية، وليس للقطاع الخاص مصلحة في تطويرها، واكتفى التعقيب بالقول بأنه سوف يكون للدولة مشاركة مهمة في تطوير كل نوع، دون تفصيل أو ذكر لكيفية المشاركة.
5. ان جميع المشروعات التي أُعلن عنها تقع ضمن الأحياء العشوائية التي لها مقومات استثمارية تشجع القطاع الخاص على تطويرها، وهذا له دلالتان، الأولى أن القطاع الخاص هو صاحب الكلمة الفصل في مشاريع التطوير -على الأقل حتى الآن-، و الثانية أن مشروع التطوير لم يلتزم بأولوية التطوير للأحياء الأكثر إلحاحاً أو الأكثر خطورة، وهو أمر يحتاج إلى نظر من جديد.
6. أما الحديث عن تجربة مكة المكرمة في فتح الطرقات والشوارع، مثل شارع أم القرى، وشارع جرهم، وغيرها من محاور الحركة والمرور، التي أدت إلى تطوير العقارات المطلة على هذه المحاور، وبقاء الحارات الداخلية على حالها القديم..، فهو تأكيد صريح وواضح على صحة ما أطالب به، وهو «أن تتولى الدولة شق الطرق وتأسيس البنى التحتية، في الأحياء العشوائية، وترك التطوير ينطلق بشكل طبيعي وحسب تطور حاجات سكان الأحياء»، فالشوارع التي شقتها الدولة، تطورت بيئتها العمرانية، وأما الأزقة والمنحدرات الجبلية التي تُركت على حالها بقيت متعرجة، وتهالكت بيئتها العمرانية. فلو أن شق الطرق لم يتوقف عند المحاور واستمر ليشمل داخل الأحياء لشهدنا تطوراً طبيعياً يضمن تكويناً متوازناً للنسيج العمراني والاجتماعي، ولما نشأت بؤر الفساد، وتحديات الأمن.
7. ان منهج الإزالة للأحياء العشوائية بدلاً من تطويرها، والنظر بعمق في مسببات نشوئها، والعمل بمثابرة على إزالة هذه المسببات، لا يُعد استئصالاً لورم سرطاني، ولن يقضي على بؤر الفساد والرذيلة والوباء التي تكونت في بعضها، بل إنه سوف يفتتها إلى عدة أجزاء (أورام سرطانية) لتنتشر في عدة مواقع.
8. ان قيام الدولة بشق الطرق، أو توسعتها، وتأسيس البنى التحتية، أو تحديثها في الأحياء القديمة، الموصوفة بأنها عشوائية، كفيل بحل المشكلات الأمنية والأخلاقية بشكل تدريجي، دون نقلها إلى أماكن أخرى، أو إضافة مشكلات أخرى متعلقة بالأمن النفسي للمواطنين. (نسبة السعوديين في أحياء قصر خزام حوالى 50% حسب إحصائية نُشرت بهذه الصحيفة بتاريخ 19/12/1429هـ بدون المقيمين النظاميين).
9. التجارب تؤكد أن النسيج الاجتماعي الصحي والمتماسك لم يتكوّن في المدن والأحياء مكتملة البناء في السابق ولن يتكوّن في المستقبل، والدكتور سامي يعرف ذلك جيداً.
بقي أن أقول بأن سعادة الزميل والصديق العزيز د. سامي برهمين أكثر من عبارة (الكاتب لم يُوفق)، وفي المقابل أؤكد له أنني أردت الإصلاح ما استطعت ما توفيقي إلاّ بالله.
فائز صالح جمال
فاكس 5422611-02
fayezjamal@yahoo.com
نشر هذا المقال بجريدة المدينة 29/1/1430هـ