توسعة المسعى وآلاثار النبوية
تحية إجلال وتقدير لجميع فقهائنا الأجلاء سواء الذين وافقوا أم اعترضوا على مشروع توسعة المسعى إذ أن هدف كل منهم هو الدليل ولا يحق لنا أن نحكم مع من الصواب بقدر ما يمكننا أن نقول أن من نظر إلى جواز التوسعة استدل بأدلة وقرائن طالما نادى بها العقلاء للأخذ بها وهي شهادة الشهود من أهل الخبرة من أهل مكة المكرمة الكرام تطبيقا لمثل أصبح عالميا وهو "أهل مكة أدرى بشعابها" وقرينة أو دليلا علميا آخر وهو تقرير هيئة المساحة الجيولوجية ( الشواهد التاريخية ) وبذلك يتمثل حقا ملازمة الشريعة للواقع ومدى مطابقتها لمصالح البلاد والعباد .
وهذا يتفق مع مقولة أن الشريعة جاءت للحفاظ على النظام العام ضمن تناسق الأصول والقواعد الثابتة وبين الحوادث والنوازل العصرية المختلفة بمواكبة العلم للنص الذي يساعد المجتهد لكي يقول رأيه ليس نصا فقط وإنما روحا أيضا , من خلال اعتبار المصلحة لأنها ركيزة من ركائز الكمال في الشريعة .
ونحن هنا نشيد بمن توقف تبرئه للذمة ونشيد أكثر لمن تجاسر وولج المحيط بأبحاثه وأفكاره الواقعية المعتمدة على الفقه والتاريخ والبيئة والجيولوجيا وشهادة الشهود , فالأمة الإسلامية في حاجة ماسة لمن يناقشون قضايا المستجدات التي ألمت في حياتها ومعاشها.
لقد أثبت فقهائنا الأفاضل أن العلاقة القائمة في دراساتهم لم تكن مع النص فقط وإنما مع الواقع بالحوار والمناقشة والدراسة والشهادة والخبرة والأخذ والعطاء وجوانب الحياة المختلفة في علاقة تبادلية قلّ أن تجد نظير لها في مسائل أخرى .
فالعلاقة التفاعلية الايجابية ما بين ولي الأمر والفقهاء كانت علاقة قائمة على التفاهم والمناقشة والمصلحة والفتاوى ذات الصلة بأبعاد الحياة الواسعة , لاسيما حين تشترك عدة لجان وهيئات ومجموعات وأفراد ساهمت في تيسير إخراج فتوى جواز التوسعة بما يتفق النص مع الواقع والنص مع العقل .
ولولا تحمّل خادم الحرمين الشريفين كامل المسئولية الملقاة على عاتقه باستشرافه خدمة المسلمين لما رأينا هذه التوسعة قائمة , فبنظره الثاقب وسعة أفقه لم يكتفي بأخذ رأي الأقلية وإنما أصل المسألة وقد تكون حديثة عهد في مشهدنا التاريخي وهو البحث عمن يشهد على وضع جبلي الصفا والمروة قبل تغيرهما بالتوسعة القائمة فأمر حفظه الله بأخذ شهادة الشهود من أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها كما يقولون. فوثقت شهاداتهم في المحكمة الشرعية والتي جاءت مؤيدة لمن يرى جواز التوسعة .
وننتهز هذه المناسبة الشريفة والدعوة الكريمة بالدعوة إلى توثيق معالم ومآثر النبوة المحيطة بالحرم المكي الشريف كمولد النبي صلى الله عليه وسلم ودار السيدة خديجة ودار الأرقم بن أبي الأرقم وغيرهم كثير , حماية للأجيال القادمة من خلال الشهود الذين شهدوا ما لم نشهد ورأوا ما لم نرى وسمعوا ما لم نسمع شهادة موثقة مسجلة محكمة تقطع لمن يريد التشكيك في معالمنا ومآثرنا النبوية الإسلامية.
ولعله من نافلة القول أن نؤكد ما يؤكده مجمع الفقه الإسلامي حينما يناقش قضية معينة فإنه يأخذ بعين الاعتبار الدراسات المتخصصة بهذا الخصوص ثم يطلق حكمه بعد دراسة مستفيضة جامعة تأتي لمصلحة البلاد والعباد.
فجزى الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله خير الجزاء لما يبذله لخدمة حجاج بيته الحرام وزوار رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم والشكر كل الشكر لعلمائنا الأجلاء الفقهاء فحقوقهم محفوظة ومكانتهم مرموقة وفضلهم لا ينكره أحد , فلهم كل الثناء على ما بذلوه وليسعى حجاج وعمار بيته الحرام تحّفهم السكينة والقبول.
جريدة الندوة الأربعاء 10/4/1429هـ