مطار مكة المكرمة الدولي متى ؟!
كنت قد تحدثت في الأسبوع الماضي حول المطارات بصفة عامة كإحدى الواجهات الهامة لأي بلد ، و أشرت إلى بعض الملاحظات التي بدت لي أثناء ترددي على مطار الملك عبد العزيز بجدة خلال موسم الأسفار الصيفية ، و بعضها كان متعلقاً بمبنى المطار نفسه ، وتساءلت عن مشروع الممرات الذي أُعلن عنه منذ عدة سنوات .
و يبدو لي أن مشاكل مطار الملك عبد العزيز بدأت منذ تأسيسه ، حيث كان متخلفاً نسبياً من حيث الإمكانيات والمساحات عن المطارات الدولية الأخرى ، و ذلك سواء على مستوى مطارات المملكة أو غيرها ، والبعض يُفسر ذلك بأن مخططات المطار أُعدت قبل تنفيذه بحوالي خمسة عشر عاماً ، أو بالأحرى أن التنفيذ تأخر خمسة عشر عاماً ، وهو ما جعل مواصفاته عند افتتاحه أقل مستوىً مقارنة بالمطارات الدولية الأخرى .
و أما في هذا الأسبوع فأود أن أعاود الحديث عن مطار مكة المكرمة ، الذي سبق لغيري ولي الحديث عنه و المطالبة به عبر الصحافة عدة مرات ، و قد أشار أحد الكتّاب الذين تناولوا الموضوع إلى أن هناك دراسات قديمة أعدت لإقامته و منذ فترة طويلة ، و مؤخراً جاء في ثنايا الحديث عن المخطط الهيكلي لمكة المكرمة عن موقع مقترح لمطار مكة .
و مطار مكة المكرمة فيما اعتقد مطلب تفرضه عدة اعتبارات لعل أبرزها الاعتبار الاقتصادي ، والاقتصاد كما هو معلوم أضحى من أهم ما يُتسلح به في هذا العصر لمواجهة متطلبات التنمية وتحقيق رخاء الشعوب ، و يكاد أن يكون العامل الحاسم في الكثير من القضايا الاجتماعية و السياسية في أي مكان في العالم .
و مكة المكرمة زادها الله تشريفاً وتعظيماً تستقبل ملايين الحجاج والمعتمرين على مدار شهور العام ، جلهم يأتي عبر مطار الملك عبد العزيز بجدة ، و إنشاء مطار في مكة المكرمة سوف يحقق عدة منافع ، منها أولاً : تحقيق الراحة للحاج و المعتمر من خلال اختصار رحلة انتقاله من جدة إلى مكة بما لا يقل عن 60 إلى 70% ، و هو أمر تحرص عليه حكومة هذه البلاد و يجب علينا جميعاً أن نسعى إليه ، و ثانياً : تحقيق منافع اقتصادية منها ما سيحصل كنتيجة مباشرة لاختصار المسافة التي يقطعها الزائر أو الحاج من المطار إلى مقصده في مكة المكرمة .
فاختصار المسافة أو الرحلة التي يقطعها الحاج أو المعتمر من المطار إلى مكة المكرمة ، سوف يؤدي إلى اختصار الزمن المستغرق في الرحلة ، وهذا الاختصار في الزمن سوف يمكّن وسائط النقل من نقل نفس الأعداد من الركاب بعدد أقل من تلك الوسائط . بمعنى آخر سوف يؤدي اختصار زمن الرحلة إلى تخفيض أعداد وسائط النقل التي نحتاجها لنقل نفس الأعداد من الركاب .
و عندما نتحدث عن إمكانية تخفيض عدد وسائط النقل مع إمكانية نقل نفس العدد فمعنى ذلك أننا نتحدث عن تخفيض حجم الأموال المستثمرة لتقديم نفس الخدمة ، وهو جانب إيجابي في حد ذاته ، في حين أن انخفاض أعداد وسائط النقل يعني أيضاً انخفاضاً في بنود تكاليف ومصروفات تشغيلها ، مثل بند الصيانة و بند المحروقات و بند الإهلاك السنوي و أجور السائقين وغيرها .
و عندما نتمكن من تخفيض رأس المال المستثمر في وسائط النقل –وهو في مجال نقل الحجاج ضخم جداً- و تخفيض تكاليف تشغيلها ، في ظل ثبات أعداد الركاب الذين يتم نقلهم ، فإن ذلك يعني أننا عظّمنا عوائد الاستثمار في مجال النقل ، و أفسحنا المجال للفائض من رأس المال للاتجاه إلى قنوات واستثمارات أخرى يحتاجها اقتصادنا الوطني .
و يُضاف إلى ذلك ميزة بيئية نتيجة لاختصار رحلة الحاج من المطار إلى مكة المكرمة ، فانخفاض أعداد وسائط النقل وانخفاض المحروقات المستهلكة في رحلات النقل يعني انخفاض العوادم المنبعثة من تلك الوسائط ، ونسبة ما تُحدثه من تلوث للبيئة ، و يُعد ذلك إسهام مهم في حماية البيئة التي نعيش فيها وتقليص لمخاطر تلوثها ، الذي تعيشه الكثير من مدن العالم .
بقي أن أُشير إلى أن إنشاء مطار مكة المكرمة وفقاً لأحدث المواصفات العالمية للمطارات سوف يخفف الضغط عن مطار الملك عبد العزيز ، و يسهم في استيعاب الزيادة المطردة في أعداد الحجاج والزوار والمعتمرين عاماً بعد عام .
وأما إذا قيل بعدم الحاجة بحجة قرْب مكة من جدة ، فنقول بان في بعض أنحاء العالم يوجد أكثر من مطار في المدينة الواحدة . و اعتقد أن الحاجة أصبحت قائمة لوجود مطار في مكة المكرمة إلى جانب مطار جدة .. والله ولي التوفيق .
نُشر يوم : الاثنين الموافق 26/5/1420هـ في صحيفة : المدينة المنورة رقم العدد : 13288