عبد الكريم الخراشي .. أستاذ عالم موطأ الأكناف1ــ2

يذكرني سلوك المربي القدير الأستاذ عبد الكريم الخراشي ــ مع أصدقائه وتلاميذه وجمهور المحيطين المحبين له ــ بالحديث النبوي الشريف عن رسول (صلى الله عليه وسلم): «أقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطأون أكنافا ، الذين يألفون، ويؤلفون» ، هذا الحديث الشريف بعمومياته وخصوصياته يتمثل في أستاذ الأجيال الأستاذ عبد الكريم بن عبد العزيز الخراشي (رحمه الله تعالى)، الذي غادر دنيانا الفانية إلى الدار الباقية يوم الأربعاء 25/5/1430هـ وقد قضى كل حياته في أحضان مكة والمكيين. فهو مكي بطبعه، حرمي في تعليمه وتربيته، طابت له الحياة في مكة المكرمة.

مسقط رأسه مدينة وشيقر عام 1348هـ، حيث تلقى تعليمه الأولي فيها، ثم نزح إلى مكة المكرمة مع بعض كبار أفراد عائلته الكريمة، حيث قدم به أخوه الأكبر محمد بن عبد العزيز الخراشي إلى مكة المكرمة عام 1357 هـ وهو لا يزال صبيا يافعا، فتلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة السعودية بسوق المعلاة، وبعد أن أتم بها دراسته الابتدائية انتقل إلى المعهد العلمي السعودي للمعلمين ، وكان يمثل هذا المعهد مؤسسة تعليمية عالية مع نظيرته تحضير البعثات، تخرج منه العلماء والمربون، ناهيك بأمثال فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الغني خياط، والشيخ أحمد جمال، والشيخ حمد الجاسر، والمؤرخ الشيخ السيد أحمد علي الكاظمي، والأديب الشيخ عبد العزيز الرفاعي، وغيرهم من أعلام البلاد. الذين كانت لهم الريادة في التربية والعلوم والآداب.

الأستاذ عبد الكريم الخراشي (رحمه الله تعالى) مذ كان طالبا في مراحل التعليم الأولى قارئ جاد، يهوى القراءة في كتب الأدب، والمجلات السياسية، والأدبية التي كانت زاد المثقفين في السبعينيات والثمانينيات الهجرية من القرن الرابع عشر، كانت القراءة في ذلك الوقت لرواد العلم والأدب في البلاد العربية، أمثال: مصطفى لطفي المنفلوطي، و طه حسين، وعباس محمود العقاد، وكرم ملحم كرم، والمازني، والرافعي، والزيات، وغيرهم من عمالقة الأدب العربي، ولذا فإن مكتبة الأستاذ عبد الكريم الخاصة تحوي نوادر الكتب والمجلات والصحف وما لا يتوافر اليوم في مكتبة خاصة.

عاصرته في المعهد العلمي السعودي زميلا مولعا بالقراءة صباح مساء، قارئا للإصدارات الحديثة، والمجلات الوافدة من مصر وبلاد الشام الأسبوعية، والشهرية، كان (رحمه الله تعالى) أحد الزبائن الدائمين لمكتبة الثقافة في باب السلام، ينفق لاقتناء الكتب والمجلات ويسخو لشرائها بكل مكافأته الشهرية، عقدت بينه وبين مدير هذه المكتبة العريقة السيد محسن العطاس (رحمه الله تعالى) ومساعديه وصاحب المكتبة الشيخ صالح جمال وأخيه الشيخ أحمد جمال (رحمهم الله تعالى) وشائج الصداقة والتقدير، فكان الوجه المألوف الذي عقد حب الكتاب أواصر الصداقة والاحترام بينهم وبينه، من خلال اقتنائه لما تجلبه هذه المكتبة كان (رحمه الله) على اطلاع بما جد في عالم النشر، وهو لا يزال طالبا في المعهد العلمي السعودي متميزا على زملائه بأدبه، مجليا في معرفته.

انتقل إلى كلية المعلمين بمكة المكرمة وكانت هي الثانية في التعليم العالي في المملكة العربية السعودية مع رصيفتها كلية الشريعة، وتظل هواية القراءة والاطلاع ملازمة له. كلما تقدمت به مراحل التعليم. عرفت هذا عنه عن كثب يوم كنا بالقسم الداخلي بقلعة جبل هندي؛ حيث كان يجمعنا سكن واحد، ونحن لا زلنا في المرحلة الثانوية ( المعهد العلمي السعودي) في السبعينيات الهجرية من القرن الماضي.

تخرج في كلية المعلمين عام 1378هـ، وكان أساتذة هذه الكلية من كبار العلماء في الشريعة، واللغة العربية وآدابها، أمثال العلامة السيد محمد أمين كتبي (رحمه الله تعالى)، والأستاذ الدكتور علي السباعي، والأستاذ الدكتور نبيه حجاب والأستاذ الدكتور علي العماري، وغيرهم من أئمة اللغة العربية في عصرهم، وقد تخرج على أيديهم علماء في اللغة العربية وآدابها، وكبار المربين من أبناء هذه البلاد يأتي في مقدمتهم:
الدكتور جميل أحمد ظفر، والأستاذ جميل عبد الجبار والدكتور إبراهيم ركة، والأستاذ عبد الرزاق محمد حمزة، والأستاذ بكر بابصيل، والأستاذ علي حسن سكري، وغير هؤلاء ممن كانوا بارزين في مجال التربية والتعليم في المتوسطات، والثانويات، وكانت لهم جهودهم المباركة في النهوض بالتعليم، كان من ثمارهم أجيال من الشباب الأوفياء الذين تسنموا مراكز اجتماعية، ومرافق تعليمية يفخر بهم الوطن، ولا يزالون يذكرونهم وأمثالهم بكل خير ومعروف.

عكاظ 8/6/1430هـ