أنت من مكة.... الحساب علي!!.

عندما كنت عائدا من لندن إلى باريس، برفقة زوجتي ـ وكنا يومها نستقل القطار السريع (يورو ستار) أو النجم الأوروبي ـ ذهبت لإحضار بعض الساندويتشات وبعض العصير، من مطعم القطار، فقد كانت الرحلة طويلة، تستغرق حوالي الثلاث ساعات... وعندما ولجت للقاطرة المعدة لأن تكون مطعما صغيرا، وكنت أرتدي الزي السعودي، ( الثوب والغترة والعقال)، إذا بنادل المطعم الذي يقف خلف (الكاونتر) يبادرني بتحية الإسلام، قائلا: السلام عليكم!... ففوجئت للوهلة الأولى، لكنني شعرت بعدها براحة وطمأنينة من هذه المفاجأة السارة.. فلم أكن أتوقع أن أجد مسلما في مطعم القطار، يبادرني بإلقاء تحية الإسلام علي... فرددت عليه السلام، ثم سألته من أين أنت يا أخي، فقال لي: أنا جزائري أعيش في فرنسا، وأعمل في هذه القاطرة نادلا لهذا المطعم الصغير، فقلت له: أنا من مكة المكرمة... فما أن سمع كلمة (مكة المكرمة) حتى عَلَتْ الابتسامة وجهه، ورأيت ذلك الوجه وقد تلألأ بشرا وفرحا وسرورا، وأخذ يردد عبارة (مرحبا بأهل مكة مرحبا بأهل مكة)، ثم قال لي: لقد كان أبي وأمي في الحج قبل عامين، وعادا وهما مسروران جدا من المعاملة التي لَقِيَاها في مكة من أهل مكة المكرمة... فقلت له: هذا واجبنا نحو ضيوف الرحمن.. ثم تجاذبنا أطراف الحديث... مما جعلني أتأخر على زوجتي التي تركتها تنتظرني.. وحقيقة، كان الحديث مع الأخ (علي الجزائري) ممتعا وشيقا... وبعد أن أخذت الساندويتشات وعلبتي العصير، سألت الأخ علي: كم الحساب؟. فقال لي: لن تدفع شيئا، فأنت ضيفي اليوم!!. فتعجبت، وقلت له: لا يا أخي فأنت تعمل في هذا القطار، ويجب أن أدفع لك قيمة ما أخذت... فإذا به يحلف قائلا: والله لن تدفع شيئا، أنت ضيفي يا أخي، فأنا لا أنسى معاملتكم لأبي وأمي!!. وإنني أحمد الله الذي أرسلك علي، لأرد لكم شيئا من الجميل الذي قدمتموه لوالدي يا أهل مكة!. فحاولت أن أقنعه ليأخذ قيمة ما أخذت، دون فائدة!!. فقد أقسم بأنه لن يأخذ شيئا، علما أن الساندويتش الواحد يكلف في القطار عشرين ريالا تقريبا، والعصير مثله!!. ولم يكن أمامي إلا الرضوخ لطلب أخي (علي الجزائري)... ثم قدمت له بطاقتي الشخصية، وقلت له إذا حضرت إلى مكة، فأرجوك أن تتصل بي، وتذكر أن لك أخا يحبك في الله، وساعدني بأن أقدم لك خدمة، بأن أرد لك هذا الجميل... فتبسم، ثم ودعته وانصرفت لأحكي لزوجتي ما حدث لي في قاطرة المطعم

وها أنا أسرد لكم هذه القصة الواقعية، لنتعرف جميعا بأن الدنيا لازالت بخير، ولله الحمد، وأن لأهل مكة المكرمة مكانة في قلوب المسلمين في جميع أنحاء المعمورة، وأن الجميل، أيا كان فإنه سيبقى، وسيرد عند من يعرف الجميل، من الجميل والوفاء، وأن معاملة ضيوف الرحمن، بما هو أهله، فإنه لن يضيع أجره عند الله، وإنه من الممكن أن يلقى الإنسان معاملة طيبة (مثل هذه) تكون ردة فعل، من أخ لا يعرفه، على الرغم، أن من قدم جميلا قد لا يكون هو الشخص نفسه المكافَأ!!. وقد يحصل أن ينالك الأجر، لأنك تنتمي لقوم يفعلون الخير، مثل ما فُعِل بأب وأم هذا الجزائري. كما إنه يجب علينا أن نتحلى بأزيائنا الإسلامية، أين ما كنا، فهي تدل على هويتنا الإسلامية، وأن للزي الإسلامي، في بلاد الغرب، مكانته واحترامه... زادني الله وإياكم قدرا ومكانة ورفعة... ويا أمان الخائفين....

الندوة 22/6/1430هـ