مركاز محمد نور قاري... أول منتدى أدبي في الهواء الطلق
أخي سعادة الأستاذ محمد نور قاري، والذي ترجل عن صهوة الوظيفة الحكومية قبل أيام، هو أحد الشخصيات المكية المؤثرة في المحيط الذي تعيش فيه، بل هو أحد الذين يعملون في صمت، ويتركون أعمالهم تتحدث عنهم، وإنجازاتهم المبهرة تشير إليهم. وأنا أعتبره أحد الذين أسسوا النشاط المدرسي في تربية وتعليم مكة المكرمة، بل جعلوا من النشاط شعلة تضيء ما حولها، وتنير الطريق لمن يتبعها ويسير في ركبها.... محمد نور قاري عرفته طالبا بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة في المرحلة الابتدائية قبل أكثر من خمسين عاما، ثم انتقلنا معا إلى المرحلة المتوسطة ومنها إلى الثانوية، ثم تفرقنا في الجامعة، لكن كان يجمعنا منتداه الأدبي الثقافي الذي كان يقع أمام (دكانه) الذي يعمل فيه هو وأخوه في إصلاح الساعات، وفي الهواء الطلق... فكان محمد نور يستقبلنا، ولم يكن أخوه رحمه الله يمانع أن نتحلق فيه أمام الدكان... فمحمد نور وأخوه رحمه الله ووالدهم قبل أن يغادر هذه الحياه، كانوا أناساً يتجسد فيهم الأدب والخلق الحسن، فكنا نشعر بأننا في منازلنا ونحن معهم... فكنا في تلك الجلسات نتجاذب أطراف الحديث، ونعرض ما لدينا من مشاريع أو أعمال أو نقاشات علمية أو تربوية أو ترفيهية، مما يمر بنا في حياتنا اليومية... ومن ذلك الدكان كنا ننطلق إلى المسجد الحرام لأداء الصلاة، حيث كان الدكان يقع في رباط البخارية، أمام باب الملك عبدالعزيز...وللعلم فقد كان لمحمد نور أكثر من بشكة وأكثر من جلسة يرتادها، يعرف أصحابها واحدا واحدا... ويعلو هرم معارفه الكثيرون من وجهاء مكة المكرمة ورجالاتها المعروفين.. منهم الوالد الشيخ عبدالله بصنوي عمدة محلة الشامية، والعم عرفة الذي كان من جلساء العمدة رحمه الله، وممن يعرفهم محمد نور عن قرب معالي الشيخ أحمد زكي يماني، الذي يكن لمحمد نور كل تقدير واحترام وكان يصحبني لمجلسه في منزل معاليه بجده... أما بشكته التي تربت وترعرعت معه في مدارس الفلاح، فكان من أعضائها كاتب هذا المقال، وكذلك الدكتور عمر أبو رزيزة، ورجل الأعمال الأستاذ فيصل محمد سعيد مداح، والأستاذ عبدالقادر أشقر، والسيد علي عطاس ورجل الأعمال الأستاذ صالح باجري، والأخ حسين با شهاب والأستاذ فائق خشيفاتي، والمرحومين بإذن الله الأستاذ محمد زين الدين، والأستاذ محمد أمين يماني، وكذلك الأستاذ حسن تونسي وعبدالحليم بخاري... هؤلاء بعض من زاملوا الأستاذ محمد نور قاري، في مرحلة الدراسة... وهناك من زاملوه في مرحلة الجامعة وهم كثر، منهم الدكتور الأديب عاصم حمدان، وكذلك من جلساء مركازه العامر الدكتور فؤاد عبدالحي والشاعر الحليت وغيرهم من أساتذة الجامعات ومن رجالات مكة المكرمة... وأعود لمرحلة دراستنا في مدرسة الفلاح بالشبيكة ( وآه.. أين الشبيكة ؟؟!!.). فقد تلقينا تعليمنا على أيدي كبار علماء المسجد الحرام ومدرسة الفلاح آنذاك، أمثال الشيخ محمد نور سيف، والسيد علوي مالكي والشيخ محمد العربي التباني، والأستاذ عبدالرحمن دوم، وكان يعرفنا جيدا مدير المدرسة السيد محمد رضوان، لأننا كنا من المتفوقين في دراستنا، ولأننا كنا نمثل المدرسة في فريق منتخبها لكرة القدم، فمحمد نور كان يجيد اللعب والمراوغة، فقد كان فنانا وهديفا، ولكن في زمان لم يكن في احتراف!!. كما كان محمد نور يحظى بحب علماء مدرسة الفلاح لتفوقه وحسن تعامله معهم، هذا إذا ما عرفنا بأنه كان (البرنجي) على الفصل، بينما كنت أتناوب مكان (البرنجي) مع زميلي عبدالعزيز حسنين رحمه الله.. ومن الخدمات التي كان يسديها لنا الأستاذ محمد نور، وكنا نعول عليه بأن ينجزها، أنه كان المسئول الأول الذي يرتب لنا رحلاتنا للمدينة المنورة، و(طلعات) إلى الهدا والشفا والطائف، كما كان المشرف العام على إعداد الطعام وكل ما يلزم هذه الرحلات.
ومن جهة أخرى، لا أخفيكم سرا، إذا ما قلت بأن محمد نور قاري كان يجسد النشاط المدرسي الذي كنا نزاوله في منازلنا قبل مدارسنا، فأنا أعتبر محمد نور واحدا ممن جعلوا للنشاط مذاقا وتنظيما وفعالية، فقد عشق محمد نور النشاط، فبادله النشاط حبا، حتى أن النشاط كان يخجل أن يجاري محمد نور.
وفي الحقيقة، فإن الكلام عن أخي وزميلي وصديقي الأستاذ محمد نور قاري ـ والذي كرمه تعليم العاصمة المقدسة قبل أيام ـ طويل وطويل جدا، فأنا لن أستطيع أن أوفيه حقه في هذه الزاوية، ولكنني يمكنني أن أقول بأن محمد نور أفضل من رافقت وأعز من عرفت وأحسن من زاملت، وإن تقاعده خسارة على النشاط... ولكن تأتي لحظات في عمر الإنسان، يجب أن يترجل فيها عن صهوة جواد، ليمتطي صهوة أخرى، فهو محارب تنحى ليأخذ قسطا من الراحة. ليعاود الكر والفر. ومن هذا المنبر، أقول لأخي محمد نور بأنك ستسطع بدرا في سماء جديدة يشع فيها نورك حبا وودا ونشاطا وذكريات جديدة... فمرحبا بك في آفاق الحياة المديدة التي تمد إليك ذراعيها، لتتشرف بلقائك وتستفيد من عطائك وتأنس بمعرفتك... فأرجو أن تبدأ كتـــــــــابة مذكراتك التي ينتظرها أبناؤك ومحبوك، والتي ستكون مصـــــــــــــــدر إشعاع لمحبيك من طلبتك وللأجيال التي تأتي من بعدك.. ويا أمان الخائفين.
الندوة الاثنين 6/7/1430هـ