الرمزان
رمزان مكيان مهما تطاول الزمن عليهما لا ينسيان.. مكتبة الحرم المكي ومستشفى أجياد. منذ وعينا أنفسنا على هذه الدنيا ومكتبة الحرم حديث الركب لكل عاشق علم أو ثقافة أو فكر.
إلا أن هذه المكتبة التاريخية أثرت عليها نهضة التوسع للحرم فغاب حقها وتنقلت من شارع المنصور إلى العزيزية ولا ندري إلى أين المصير بعدئذ! على الرغم من المبالغ الهائلة والمليارات المصروفة على توسعة الحرم المكي الشريف منذ ثلاثين سنة إلا أن مبنى متميزاً لمكتبة الحرم يحمل الدلالة العلمية والثقافية لأقدس بقعة على وجه الأرض لازال غائباً.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن الكتب تأثرت بتلك التنقلات المستأجرة ومثلها المخطوطات التي قد يكون فقد أعداد كبيرة منها منذ خروجها المبكر من دائرة الحرم المكي الشريف. هل ضاقت ميادين الحرم وساحاته عن استيعاب رمز علمي يحكي ويحمل اسم الحرم الشريف!!
أما مستشفى أجياد فكانت آخر حكاياته تصدع مبانيه على بعض المرضى والمنومين. مأساة حقيقية فعلاً أن هذا المستشفى الرمز باسمه وموقعه يصبح اسمه مخيفاً مذكراً بالمآسي والكوارث بعد أن كان ملاذاً للطائفين والقائمين والركع السجود، ممن أصابتهم وعكة أو حاصرهم مرض. ومنذ عشر سنوات ولجان شكلت وهيئات قررت وجميعها لمستشفى أجياد ولم نر أو نسمع سوى قرارات.
لا أدري ما ذنب هذا المستشفى الذي يشاهد المستشفيات من حوله في مناطق المملكة وقراها تقام وتنشأ ومن ثم هو يقبع لمحاصرة اللجان وقرارات المصالح.
إن مكة المكرمة مشهدنا وفخرنا وعزنا والأولوية لها وما يقدم لزوارها وأهلها لا يساوي شيئاً مع مكانتها في القلوب.
ما أتمناه وأرجوه أن أرى أمنيتي وأمنية الكثيرين أن نشاهد مكتبة الحرم المكي حول الحرم وليس في أطراف مكة ونواحيها، لنعيش الاسم والدلالة الحقيقية. وما أروع وأجمل أن تشتمل على أدوار أرشيفية خاصة للحرم المكي وتوسعاته وصوره وتاريخه ومؤذنيه وأغواته ومدرسيه وشيوخه.
إن ارتباط مكتبة الحرم وقربها من مبنى الحرم ليس فيه ترف أو عدم حاجة إنها رمز للعلم الموصل للعمل وهو العبادة التي تؤدى في المسجد الحرام. وهي إحدى أهم وأقدم المكتبات الإسلامية حيث يرجع البعض تأسيسها إلى سنة 160 هـ من الخلافة العباسية، وتحتوي على مائة ألف عنوان وستة آلاف وخمسمائة مخطوطة أصلية وألفي مخطوطة مصورة. إنها إرث علمي عظيم من الخطأ أن يقبع في عمارة مستأجرة لا تحمل أي تجهيز تقني أو فني لهذا الكنز الكبير.
إن هذا النداء يبعث إلى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي التي قدم لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز «حفظه الله» وقفاً متميزاً يجب أن يكون أحد مصارفه مكتبة الحرم المكي العلمية. إضافة إلى دور مركز مكة والمدينة المنبثق من دارة الملك عبدالعزيز وغيرها من الجهات.
وللتاريخ أيضاً شهادة في الملك عبدالعزيز «رحمه الله» حيث كون لجنة في طلائع عهده المبارك سنة 1357هـ للعناية بها وتطويرها بل وأهداها مجموعة من الكتب القيمة وعند التوسعة السعودية الأولى تم نقلها إلى خارج الحرم جهة باب السلام.
في سنة 1382هـ تم نقلها إلى عمائر الأشراف المقابل لمستشفى أجياد وفي سنة 1383هـ نقلت إلى مبنى مطل على الحرم من جهة المستشفى جوار دار الأرقم بن أبي الأرقم. وفي سنة 1390هـ نقلت إلى مبنى مستأجر يُعرف بعمارة «ابن سليمان». وفي سنة 1406 نقلت المكتبة إلى مبنى مجاور للحرم تم بناؤه لها حتى أزيل لصالح التوسعة سنة 1411هـ فانتقلت إلى شارع المنصور ثم العزيزية أخيراً.
هذه قصة مكتبة الحرم التاريخية التي تستحق التوقف والتأمل لتستعيد مسيرتها التي تأخرت ألف عام.
عكاظ 6/4/1430هـ