وزارة الخارجية بمكة .. حدث تاريخي
لا أقول (التاريخ يعيد نفسه), ولكن أقول بأن التاريخ وضع واقعا ذهبيا أضاء سماء مكة المكرمة، وتألق لامعاً على صفحات التاريخ حاضراً ومستقبلاً.. فإنشاء وزارة الخارجية مكتباً لها في مكة المكرمة، لهو حدث تاريخي بكل ما تعنيه هذه العبارة، جسدته القيادة الدبلوماسية الحكيمة، التي يقود دفة سفينتها الوالد الغالي خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بمتابعة حثيثة من صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، وتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، وتنسيق مهندس الدبلوماسية السعودية الخارجية معالي الدكتور نزار مدني، وزير الدولة للشئون الخارجية، وتنفيذ من الدبلوماسي المخضرم سعادة السفير محمد بن أحمد طيب، مدير عام فرع الوزارة بمنطقة مكة المكرمة... كل هذه الشخصيات القيادية في بلادنا، كان اهتمامها أن تستعيد مكة المكرمة مكانتها الريادية، وأن يكون لها واقعها الإداري المرموق. لذا، قام أمير منطقتها بتنفيذ الأمر السامي بعودة جميع الدوائر الحكومية إلى الحضن الأول، مكة المكرمة. ومن هذه الدوائر الهامة، وزارة الخارجية، فتجسدت عودتها في افتتاح مكتبها ـ عند مدخل البلد الحرام ـ ليقف شامخا بعد غياب متواصل دام أكثر من سبعين عاماً.
إن افتتاح مكتب لوزارة الخارجية بمكة المكرمة، يستحق منا الإشادة والشكر والتقدير والعرفان، لكل من فكر وساهم وشارك في زرعه على أرض الواقع، في الجسد الطاهر.
إن رعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل لحفل الافتتاح، أضفت أهمية كبرى للدور الكبير الذي سيقوم به مكتب وزارة الخارجية بمكة المكرمة، فقد منحه وسام حب هذه المدينة المقدسة، ليؤكد حرص القيادة على أهمية هذه المدينة المقدسة، إستراتيجياً وتاريخياً ودينياً وحتى دبلوماسياً. فمكة المكرمة ملتقى العالم أجمع، وقبلة المسلمين، فهي تستأهل أن يكون فيها مكتب يخدم مراجعيها من أهلها، يكفيهم عناء التنقل بين مدينتي مكة وجدة، لمراجعة معاملات التصديق والتأشيرات الخاصة بهم.
ومن جهة أخرى، فقد كان لي شرف زيارة المكتب قبل أيام، حيث قابلت هناك سعادة السفير محمد بن أحمد طيب، مدير عام فرع الوزارة بمنطقة مكة المكرمة، حيث وجدته منهمكا يتابع كل صغيرة وكبيرة بعد حفل الافتتاح، فتجولت بالمكتب حيث شاهدت ما يثلج الصدر ويطمئن القلب ويريح النفس. فكل شيء معد إعداداً نموذجياً رائعاً، وعلى أعلى مستوى من الأناقة والفخامة والفاعلية. فالعنصر البشري لإدارة المكتب اختير بعناية فائقة ليؤدي مهامه على أكمل وجه، كما إن الأجهزة الموجودة والأثاث كانا بمستوى التفكير الراقي لسعادة السفير، ليرتقي العمل لنجاحات غير محدودة، وليعكس لمسات وزارة الخارجية المتألقة والمنظَّمة دائماً، في كل وقت وفي كل حين.
لقد قدم سعادة السفير محمد طيب جهداً كبيراً ليكون مكتب الوزارة بمكة مهيئاً ومؤهلاً لاستقبال المراجعين من أهالي مكة المكرمة وما حولها، ومستعداً لإنجاز معاملاتهم بكل يسر وسهولة وبالسرعة المطلوبة. كما إن سعادته لم يُغفل مراجعة المرأة لمعاملاتها بالمكتب، فأعد لذلك جناحاً خاصاً يقدم خدماته للعنصر النسائي. فجاء القسم النسائي منفصلا تماما عن القسم الرجالي، حيث سيختار له موظفات على قدر كبير من التأهيل والمسئولية. وهذه من الحسنات التي تكتب لسعادة السفير الطيب، حيث حافظ على كرامة وراحة المرأة من معاناة التنقل بين المدن، فأنشأ هذا القسم.
إن مكتب وزارة الخارجية بمكة المكرمة، علاوة على أنه حدث تاريخي كبير، إلا أن وجوده يكتسي أهمية كبيرة لأسباب كثيرة، ذكرنا بعضها آنفا، ولكن أكثرها أهمية، هو أن الوزارة التي ولدت بمكة المكرمة عادت إليها مرة أخرى، عادت شابة فتية قوية، عادت لتعانق جبال مكة المكرمة ووهادها ووديانها وشعابها، عادت لتستنشق عبير الحرم المكي، وتلاصق المشاعر المقدسة، وترتوي بماء زمزم، عادت لتُلقي التحية على جبل النور وغار ثور، ولتعلن للعالم: (ها أنا قد عدت لحضني الدافئ ولمسقط رأسي مكة المكرمة) ... ونحن نقول: وطئتم أهلا ونزلتم سهلاً، ومرحباً للواقع العائد، يطبع في صفحات الكون تاريخاً جديداً للبلد الغالي .. مكة المكرمة.. ويا أمان الخائفين.
الندوة 17/9/1430هـ