المعلوم عند الناس مجهول عند الشيخ
ماذا نقول لمثل هذا؟ أهو الخيال المفرط، أم هو هاجس يعترى بعضنا من الآثار حتى يجعلهم يتعجلون حتى في طرح ما لا يمكن التسليم به عقلا..
(ان الجبل الذي يصعد إليه الناس، واسمه الحقيقي جبل الأنور، أما جبل النور فهو جبل صغير تحت جبل الأنور، الذي صعد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق، ومكثوا في غار حراء حتى انجلى المشركون عنه)، هكذا تحدث الشيخ صالح سعد اللحيدان إلى مندوب هذه الجريدة بمكة المكرمة الأستاذ محمد رابع سليمان، ونشر يوم الخميس 6/9/1430هـ، وقد سبق للشيخ ان صرح لجريدة أخرى قائلا: (ان جبل النور الواقع في مكة المكرمة، والذي يقصده هو جبل صغير يقع قبل الجبل المتعارف عليه، وأكد ان الجبل الموجود حاليا قرب طريق المعشر ووادي العشر، والذي يصعده الناس مسافة 200 متر معتقدين انه الجبل الذي كان يصعده النبي صلى الله عليه وسلم ليس صحيحا وهو من الأمور الخاطئة التي يعتقدها أناس كثيرون، وأوضح ان مكانه الحقيقي فوق المعابدة الا ان أحدا لم يتمكن من معرفة مكانه بدقة)، هذا ما يقوله الشيخ -عفا الله عنه- ولا يسوق دليلا واحدا عليه، ولا يذكر المصدر الذي اعتمد عليه في أقواله هذه، مع انه حتما يعلم ان المؤرخين نوهوا على ان غار حراء الذي تحنث فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في هذا الجبل المتعارف عليه الذي اسمه جبل النور، والذي حددوا موقعه بدقة، وتناقلت أجيال الأمة جيلا بعد جيل العلم بموقعه، ولا يعرف أحد من أهل أم القرى قديما وحديثا جبلين أحدهما يسمى الأنور وتحته جبل آخر اسمه النور، والرواية بان غار حراء هو الغار الذي اختبأ فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صاحبه الصديق رضي الله عنه رواية غير صحيحة، فالاستفاضة انه غار ثور يقول الإمام الفاسي في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام: (وذكر الفاكهي خبرا يقتضي ان النبي صلى الله عليه وسلم اختفى بحراء من أذى المشركين، وهذا غريب، وكذلك ما ذكره الأزرقي لان المعروف في الغار الذي اختبأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم انه غار ثور لا غار حراء، فانه كان يأتيه للعبادة)، وقال عن هذا الغار: (حتى جاءه الحق في غار حراء، وهذا الغار بأعلى حراء في مؤخره، وهو غار مشهور عند الناس نقله الخلف عن السلف ويقصدونه للزيارة)،
فإذا كان ما بين أيدينا من كتب السنة والسيرة وتاريخ مكة المكرمة لا تذكر الا هذا الجبل الذي به الغار، والاستفاضة بين الناس على مرِّ العصور انه هذا الجبل الذي نعرفه بمكة بانه جبل النور، وان الغار الذي فيه هو الذي كان يتعبد فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الغار الذي اختبأ فيه رسولنا الاكرم عليه الصلاة والسلام مع صاحبه الصديق رضي الله عنه هو غار في جبل اسمه ثور، فهل يمكننا قبول قول من يشكك في كل هذا، ولا يمتلك دليلا على ما يدعيه، ولا يشير إلى مصدر موثوق يمكن الرجوع إليه، لا أظن ان هذا من الناحية العلمية مقبول أصلا، ولا أظنه أيضاً يؤثر في الحقائق الثابتة، والسؤال الذي يفرض نفسه إذا كان ما ذكره المؤرخون وما استفاض خبره بين المسلمين عبر العصور إنما هو من الاعتقادات الخاطئة، فأين الدليل على صدق ما يدعيه الشيخ حفظني الله واياه من عثرات اللسان والأقلام، وهل يكفي نفيه لكل هذا ليبطل حقائق ثابتة، ومن يؤيده على قول: (الا أحد يعرف مكان جبل النور وغراء حراء)، والعالم كله يعرفه، والشيخ رعاه الله ينفي الحقائق التي استفاض خبرها عبر التاريخ، فمسجد البيعة بمنى عند جمرة العقبة وجد له بانيا اسماه فايعا، واقترح لا فض فوه ان يسمى مسجد الفيعة لا البيعة، وهو على كل حال أفتى بهدمه حماية لجناب التوحيد،
كما انه بلغه خبر لم يبلغ أحدا غيره مفاده ان المدفونة بالابواء ليست آمنة بنت وهب أم سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرضا عن كل ما ذكره المؤرخون وما استفاض بين الناس على مرِّ السنين انه قبرها، ليجد لها بديلا امرأة يزعم انها باكستانية اسمها آمنة بنت أحمد شاه مسعود، دفنت في هذا الموضع قبل مائة وثمانٍ وعشرين سنة أي قبل ان توجد باكستان على خريطة العالم!
ماذا نقول لمثل هذا؟ أهو الخيال المفرط، أم هو هاجس يعترى بعضنا من الآثار حتى يجعلهم يتعجلون حتى في طرح ما لا يمكن التسليم به عقلا، وعجيب أمر الشيخ عفا الله عنه فهو يزعم ان العوام خلطوا بين الابواء التي دفنت فيها أم النبي صلى الله عليه وسلم والابواء الأخرى في المويه على طريق مكة الرياض، رغم اني لا أعرف ان بالمويه مكانا يسمى الابواء، الا اني أؤكد الا أحد خلط مثل هذا الخلط لا من العامة ولا الخاصة، ولا تحدث عنه قبل الشيخ أحد، ولا ادري لماذا هذا كله، والشيخ عضو في اتحاد المؤرخين العرب، والمفترض في من ينتمي لهذا الاتحاد الدقة إذا تعلق الأمر بالتاريخ، ولا يطلق الكلام على عواهنه كهذا، والمطلوب اليوم ان يذكر الشيخ المصادر التي استقى منها معلوماته هذه والا ليعذرنا ان قلنا له انك واهم، عفاالله عنا وعنك وألهمنا واياك الحق ورزقنا اتباعه، وأرانا واياك الباطل ورزقنا اجتنابه، انه سميع مجيب.
المدينة 17/9/1430هـ