الإمامة في الحرمين الشريفين
إمامة الحرمين شرف عظيم وأمانة كبرى طالما تشوفت لها نفوس العلماء والقراء والحفاظ واشرأبت لها أعين الصالحين وذوي الهمم العلمية العالية.
ولقد سجل تاريخ الإمامة للحرمين سير علماء أجلاء منحهم الله القبول بين عباده فأمتعوا المصلين والسامعين بحسن أصواتهم وجميل تلاوتهم ورقة قلوبهم ونفعهم للناس فجمعوا بين العلم والعمل.
وتاريخنا حافل بتاريخ علماء أجلاء سطرت صحائفهم وخلدت مآثرهم فهل تنسى المدينة المنورة تلاوة الشيخ عبد العزيز بن صالح ــ رحمه الله ــ حيث أمضى في إمامته أكثر من خمسين سنة مع نفع متعدد وإفادة وإخلاص للبلاد والعباد.
أما في المسجد الحرام وبالأخص في رمضان فإن للناس ذكريات خالدة مع أصوات ندية طرية يقع في هرمها المقرئ الخاشع الشيخ عبد الله خياط ــ رحمه الله ــ الذي أمضى حسب علمي أطول فترة إمامة في الحرم المكي في العصر الحديث حيث جاوزت ستين سنة من 1346هـ حتى 1405هـ.
وعلى الرغم من مضي مدة طويلة على تسجيله الصوتي لتلاوة القرآن إلا أن تلاوته لها وقع خاص في نفوس المستمعين إليه في الإذاعة عبر المصحف المرتل.
أما الشيخ القارئ علي عبد الله جابر ــ رحمه الله ــ فهو أحد الأصوات النادرة تلاوة وتجويدا.
بل إنني أشهد أننا أثناء دراستنا في حلق تحفيظ القرآن قبل أكثر من عشرين سنة كانت الأمنية أن ينال كل واحد منا حسن الأداء في التلاوة كما هي مع الشيخ علي جابر ــ رحمه الله ــ وكانت تلاوته وقراءته محفزا للشباب والناشئة على الحفظ والعناية بالقرآن ونيل شرف الإمامة في بيت الله الحرام.
أما مبكي الملايين الشيخ عبد الله الخليقي ــ رحمه الله ــ فإن له مع القرآن قصة وفي رمضان بالأخص حيث يتقدم لإمامة المصلين في صلاة المغرب في تلاوة خاشعة فريدة تربط المصلي بخالقه فتخشع جوانحه في ترتيل بديع رائع وقد امتدت إمامته أكثر من أربعين سنة 1373هـ حتى 1414هـ.
وكانت ختمته للقرآن ودعواته الخاشعة دفئا للأوابين والتائبين. أما الشيخ محمد بن عبد الله السبيل ــ متعه الله بالصحة والعافية وختم له بخير ــ فهو صاحب الصوت الجميل والخلق العظيم في ابتسامته الصادقة ولطفه المعهود الذي بهر زوار الحرم وملتقيه في الخارج.
لقد سعدت كثيرا بالعمل العلمي الرائع الذي قدمه الأخ يوسف بن محمد الصبحي واستعرض فيه إمامة الحرم في إصدار سماه: «وسام الكرم في تراجم أئمة وخطباء الحرم»
حيث قدم جهدا علميا متميزا استعرض فيه الأئمة للمسجد الحرام منذ أربعة عشر قرنا وتراجمهم إضافة إلى بحوث علمية مرتبطة مثل نظام التعيين في المسجد الحرام على مر العصور إضافة إلى نظام صلاة التراويح والصلاة للإمام النائب والملازم والخطيب كما سطره وحلاه بفصل هام عن تاريخ المقامات في المسجد الحرام وأشهر بيوت أئمة المقامات الأربعة.
ومن لطائف هذا الكتاب المتميز استعراضه ظواهر الإمامة والخطابة في المسجد الحرام مثل تعدد الأئمة الخطباء في المسجد الحرام وكثرتهم عبر القرون والعصور إضافة إلى ظواهر التوريث للإمامة والتنازل والعزل والخلافات بين الأئمة.
وإذا كانت الكتابة عن الحرمين وتاريخهما مرورا بالأئمة والمؤذنين وأحواله وظروفه وقصته من الجوانب العلمية الهامة التي قدم جزءا منها الفقيه المؤرخ المكي د/ عبد الوهاب أبو سليمان في كتابه الصغير حجما الكبير موضوعا ومضمونا «الحرم الجامع والجامعة» والذي كان محاضرة ألقاها في نادي مكة الثقافي فلعلها تكون بداية لتدوين قصة التعليم والتدريس في الحرم المكي التي عاصر أطرافا منها الشيخ عبد الوهاب خصوصا وهو الذي أمد الباحث الأخ يوسف الصبحي بكثير من المعلومات عن أئمة الحرم وبيوتات مكة العلمية..
أملي أن يواصل الأخ يوسف بحوثه الرائعة ويقدم للقراء الجناح الآخر لكتابه ليفرد حديثا عن أئمة الحرم النبوي كما استعرض تلكم السيرة التاريخية العظيمة للمسجد الحرام.
عكاظ 20/9/1430هـ