قرص وحِنّانة!
يقول المكيون على سبيل المثال وضرب الأمثال: إن فلانا زاد علانا على القرص حِنانة، ويقصد به أن الأول زاد الثاني في الأجر أو في التوضيح أو في تقديم الأدلة والمستندات له بالقدر المطلوب وزيادة،
والقرص معروف لدى الجميع أما الحنانة فلا يعرفها إلا الشيوخ والكهول وهي قرص صغير كانت ربات البيوت يصنعنه من بقايا العجين بعد عمل الأقراص في حجمها المعتاد فيبقى عجيبن قليل لا يكمل قرصا بالغا فلا يرمى العجين وإنما يعمل به قرص صغير يسمى حِنانة على سبيل التدليل للقرص الصغير، وكان الخبز قبل نصف قرن يشح في أم القرى خلال موسم الحج على الرغم من تواضع أعداد الحجاج في تلك الأيام فتضطر معظم ربات البيوت إلى عمل الخبز بأنفسهن ثم إرساله على طاولة إلى أقرب مخبز لإدخاله في الفرن حتى ينضج ويعاد للأسرة لاستخدامه لعدة أيام،
وكان الفتيان الصغار يدعون خلال لعبهم في أزقة الحارة إلى أخذ ألواح الخبز إلى المخبز وإعادتها بعد ذلك وتكون المكافأة للفتى أن يعطى «الحنانة» جزاء له على قيامه بذلك العمل التعاوني وقد تعطيه ربة المنزل قرصا مع الحنانة أو قرشا مع الحنانة، وأحيانا يترك رب الأسرة الحنانة إذا ما ذهب بنفسه إلى الفرن لإنضاج الخبز، بترك الحنانة للفران على سبيل المكافأة الزائدة على ما يدفعه له من أجر مقابل إنضاج خبزه في الفرن، لأن الفران نفسه رب أسرة ويحتاج إلى كمية من الخبز لإطعام صغاره وزوجه فإذا تنازل عدد من أهل الحارة عن عدة «حنانات» كفته مؤونة شراء خبز أو تكليف أم العيال بخبز عدة أقراص لصالح أسرته،
أما الخبز المنتج لصالح السوق فإنه يخبزه ويضعه في الفرن ويسلمه لمن يبيعه دون أن يعطي نفسه حق أخذ قرص منه لأنه يأبى أن يطعم زوجته وصغاره لقمة من الحرام حتى لو كان ذلك الحرام مجرد قرص خبز يقوم بخبزه وصنعه وإعداده للبيع، فانظر رحمك الله إلى مستوى الأمانة عند إنسان بسيط فقير ثم قارن إن شئت أو لا تقارن!، وقد ذكرني بالمثل الشعبي المكي الآنف الذكر أنني سمعت من يستخدمه أمامي قبل أيام وهو نسخة شعبية من المثل العربي الفصيح الذي يقول: زاده من الشعر بيتا، ولكن اللسان الشعبي يرتاح أكثر للقرص والحنانة!.
عكاظ 25/9/1430هـ