أعياد وإنجازات
أن يتوافق في الزمان عيدان، عيد فطر تكتمل به فرحة الصائمين بعد أداء هذا الركن المهم من أركان الإسلام، الصوم الذي أنس العباد في أيامه ولياليه بقرب من ربهم، عبدوه بصيام نهاره، وقيام ليله، وشغلوا أوقاتهم بقراءة القرآن، وبترطيب ألسنتهم بذكر الله، فاطمأنت قلوبهم، وسعدوا. وفي العيد احتفلوا برجاء من الله أن يكون قد تقبل منهم هذا كله، فرحمهم، وغفر ذنوبهم، وأعتق رقابهم من النار، وذاك منتهى رجائهم، والعيد الآخر الذي جاء معه هذا العام -زمنًا- هو عيد بلادنا الوطني، الذي نحرص كل عام في الأول من شهر الميزان على الاحتفاء به، ليرسّخ في أذهان وقلوب أبنائنا الحرص على هذا الوطن الأغلى ومنجزاته، نحافظ على وحدة ترابه، والوحدة الوطنية لساكنيه مهما تنوّعت مشاربهم ورؤاهم، أو مذاهبهم وطوائفهم، فما تحقق عبر الصبر والعمل من وحدة هذا الكيان الشامخ، يظل هو الإنجاز الأكبر الذي حققه أبناء هذه البلاد بدمائهم، وهو الذي لا يجب التفريط فيه، ومن أجل هذا يجب ألاَّ نسمح لأحد أن يخترق سياج وحدتنا الوطنية مهما كان المبرر الذي يرتكز عليه، وعلينا ألاَّ نسمح لأحد أن يغرقنا في نزاعات عبر بث عصبية طائفية، أو إقليمية، أو قبلية، ويجب أن نكون حائط صد فولاذيًّا لكل فكر يناهض الوطنية، أو يدّعي أنها تناقض الدِّين، أو يفتي بأن احتفاءنا بعيدنا الوطني بدعة، ليصرفنا عن العمل من أجل الوطن، ومَن لم يعرف قيمة الوطن فلن يتحمّل المسؤولية الوطنية في الدفاع عنه، والعمل لأجله، والإسلام دين الفطرة، وحب الوطن فطرة مركوزة في كل إنسان، لا تُنزع منه بسهولة، فالبشر -كل البشر- يتعلّقون بأوطانهم، وهم جنود لحمايتها من الأخطار، والمحافظة على سلامتها، وأحداث تاريخها مبعث فخر لها، وحفز لمزيد من الإنجاز يتحقق لوطنه، ولا تُؤتى الأوطان إلاَّ من ضعيفي الانتماء إليها من مواطنيها، الذين تُغسل أدمغتهم، ويُعدُّون ليكونوا أخطر المعتدين على الوطن، كهذه الفئة التي كفّرت وفجّرت، ولا تزال تمطرنا بقيح مؤامراتها على وطننا، وكل دعوى تمنع الناس من الاحتفاء بأعياد أوطانهم هي دعوى باطلة، ليس لها أساس من دين ولا عقل، ويجب ألاَّ يصغي إليها أحد، من أي مصدر أتت، وإذا كنا نفخر بالكثير الذي حققناه من الإنجاز على أرض الواقع في وطننا بسواعد أبنائه، فإننا نتطلّع إلى المزيد من الإنجازات في سائر مجالات الحياة، وفي مجال التعليم، وهو المجال القائد لحركة النهضة لهذا الوطن الغالي، والذي تأخّر النهوض به زمنًا ليس بالقليل، بدأت اليوم بوادر النهوض به وخطوات تطويره، وهذه هي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والتي نرجو أن تكون العلامة الأبرز في مسيرة النهوض المرتجى لأحوال هذا الوطن، وها هو افتتاحها رابع أيام عيد فطرنا، ويوم عيد وطننا عيد ثالث ينضم إلى أعيادنا هذا العام، وهي الجامعة التي نرجو أن تكون نافذتنا على العالم، بما يتهيأ لها من صلات مع جامعات العالم، ومراكزه البحثية المتقدمة، وأن تكون النموذج المحتذى من قِبل جامعاتنا الوطنية القائمة في مجال الدراسة العلمية المتفوّقة، ومجال البحث العلمي، وهي بكيانها الذي أُريد به أن يوفر من التخصصات العلمية ما تحتاجه النهضة في بلادنا، وهي بما حُشد لها من إمكانات متوافرة قادرة على أن تكون الجامعة الأهم في هذا الوطن، فهي حلم نتطلع من خلاله إلى العالمية، حيث يتحقق للتعليم في بلادنا نقلة نوعية نحو آفاق العلم الواسعة في هذا العالم الفسيح، والذي نهضته المحققة مرتبطة بالعلم، وتقدّمه تنتجه الأبحاث العلمية المثمرة، والتي أرادت قيادة بلادنا منها التأسيس لقيام اقتصاد معرفي يهدف إلى تنويع مصادر اقتصادنا الوطني، وأن تكون جسرًا للتواصل بين الثقافات، وهي جامعة المراحل الأخيرة من التعليم، حيث ستقدم لخريجي الجامعات دراستهم العليا في التخصصات العلمية، والتي حصرت في أقسام أربعة هي: علوم الأرض وهندسة البيئة، والعلوم الحيوية والهندسة الفيزيائية والكيميائية، والرياضيات وعلوم هندسة الحاسوب، والعلوم الحيوية والهندسة الحيوية، وفي أحد عشر تخصصًا، تمنح فيها الدرجتين العلميتين (الماجستير والدكتوراة). والبيئة التي ستعمل الجامعة من خلالها أُريد لها أن تكون بيئة ترسّخ التقاليد العلمية في الدراسة والبحث، فجاء وجودها في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية تدشينًا لتوفير هذه البيئة، وستكون -بإذن الله- منارة إبداع يفيد منها الوطن والعالم من حولنا، وبمراكز أبحاثها، وما توفر لها من الإمكانات ستكون بؤرة وفاق عالمي، لأن غاية هذه الجامعة خدمة الحضارة الإنسانية في هذا العصر، وإن تطلّع قائد هذا الوطن الأغلى للنهوض بوطننا، والارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة دعاه إلى إنشاء برنامج ابتعاث غير مسبوق، ودعاه إلى التوجيه بتطوير برامج التعليم وخططه، ثم سعى لإيجاد النموذج الأرقى في التعليم العالي، وسعيه المشكور هذا إنما هو الوقود الحيّ الذي سيدفع أبناء هذا الوطن لبذل أقصى غايات الجهد، لبلوغ أمثل الغايات حتى يتحقق لهم ما طمحوا إليه كل زمانهم، وحالت بينهم وبينه الكثير من المعوّقات، وأهمها رداءة ما تلقّوا من تعليم.
والمرجو أن تتوالى هذه الأعياد وتصاحبها دومًا الإنجازات الكبرى، ودومًا وطني أنت مرفوع الرايات، تخدمك السواعد القوية لأبنائك المخلصين، وتصغي لآمال شعبك آذان قيادتك الرشيدة، ولا يريد بك السوء إلاَّ شرار الخلق، والله ناصرك عليهم بإذنه.