قداسة مكة !!
* منذ فترة ولترددي المتواصل بين مدن جدة ومكة المكرمة والطائف ألاحظ تزايد إعلانات الطرق الموجودة على ضفتي الطرق السريعة الرابطة بين تلك المدن وخاصة تلك التي (تروّج) للسكن من فنادق ونزل وشقق مفروشة. * في عدد من تلك الإعلانات لفت نظري المتعجب والمندهش نكهة غربية على صيغة ومضامين الإعلان، والتي بقدر ما تستدعي الدهشة (تخلخل) الذهنية.. ففي واحد من مضامين تلك اللوحات الإعلانية فندق يروّج لذاته بقوله: «ضيافة سويسرية في الأرض الطاهرة». * ولإيضاح الدهشة التي أصابتني والحيرة التي تصيبني كلّما قرأتُ ومررتُ بالقرب من هكذا إعلان، وحتى أكون قريباً من فكر القارئ الكريم لما أود إبرازه أقول: لولا أني أعرف أني مسافر بين مدن تؤدي إلى مكة المكرمة شرفها الله لقلت ربما المقصود بالأرض الطاهرة، أراضي فلسطين كما في المعتقد المسيحي واليهودي! أو ربما أراض أخرى لا أعرف عنها تكون في سويسرا! * وحتى تتبدد الدهشة في أذهان القراء ممّا أقول أوضح تفصيلاً أن العرف المجتمعي العالمي تعود على أن تباهي كل كينونة مجتمعية بصفاتها ومكوناتها الخاصة في أرضها. فالضيافة السويسرية عنواناً لسويسرا وأهلها، والأناقة الفرنسية مكون من مكونات الفخر الفرنسي للدولة وأهلها... وهكذا. * أمّا أن تكون الضيافة السويسرية في الأرض الطاهرة في مكة المكرمة، فهذا ما لم أستطع أن أستوعبه، أو حتى إدراكه! فهوية مكة المكرمة المقدسة هوية إسلامية عربية سعودية بحتة، وكل ما يجب أن يكون فيها ومنها وإليها نابع من هكذا مكونات. فالضيافة المكية رفيعة المعنى والطبيعة، وامتدادها وزخمها التاريخي هائل، وهو ما يجعلها مصدر فخر لمن يقدم الخدمة سواء سكنية أو غيرها. * ومكونات مكة المكرمة والمدينة المنورة الثقافية كمدينتين هما أقدس بقاع الدنيا في عالم الإسلام، تحتوي من العناصر والعوامل ما يجعلها زاداً هائلاً لمضامين إعلانية وإعلامية ضخمة، ومتواصلة بدون الاستعانة بعنصر من هنا أو من هناك. بل إن افتخارنا المجتمعي بهاتين المدينتين وقيمتهما ومكانتهما الرفيعة في عالم الإسلام (تحتم) علينا التمسك بكل تلك المكونات، والإصرار على استثمارها بما يجعل الفعل متطابقاً مع الألفاظ والشعارات التي نرددها ليل نهار بقدسية المدينتين وحرمتهما وهويتهما الإسلامية. * وقد أستوعب وأدرك أن ما نراه من استعانة بألفاظ ومضامين أجنبية وغربية على وجه الخصوص في كثير من عناوين المطاعم والمقاهي والفنادق والشقق المفروشة والمحلات التجارية في غير مكة المكرمة والمدينة المنورة مقبول، وإن كنت أؤمن أن ذلك نوع من فقدان الهوية والانبهار بالآخر، غير أني لا يمكن إطلاقاً أن أفهم لماذا تكون هكذا أسماء وشعارات عناوين في أقدس بقعتين في نظر المسلمين، إلاَّ أن يكون المرض أصاب حتى النخاع ذهنيات لا تدرك ما تفعل. جريدة المدينة - الجمعة 20 شوال 1430هـ - عدد : 16970