أول مدير للمعارف يا جامعة أم القرى!
وسط ضجيج الفرح والتكريم والشهادات والكلمات لم ننتبه كثيرا إلى الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الاثنين 27/2/ 1427هـ. كنا أنا وصديقتي فريدة صالح شطا برفقة صديقتنا الحبيبة مها فتيحي، نشارك آل الدباغ احتفالية تكريم السيد طاهر الدباغ كأول مدير للمعارف! لم نلتفت إلى اعتراض العزيزة فريدة، ليس على التكريم، ولا على شخصية المكرم؛ بل على الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه جامعة عريقة بها قسم لدراسة التاريخ الحديث، وهي دأبت على تكريم الرواد من رجالات مكة المكرمة!
لم نتوقف كثيرا عند تأكيد العزيزة فريدة؛ بأن والدها المرحوم الشيخ صالح شطا هو أول مدير للمعارف، وظننا أن هناك خطأ ما لديها، لأننا في جامعة نثق في مصداقيتها! صديقتنا فريدة لم تصمت بل أجرت اتصالا من قاعة الاحتفال النسائية بالمسئول في القسم الآخر وأعطته المعلومة فلم يهتم على ما يبدو، وأخبرها أن عليهم السعي لإبراز دور والدهم، والتقدم إلى الجامعة بما يثبت استحقاقه للتكريم، تعجبنا من هذا التعالي ولم ندرك حجم الخطأ في ذلك الحين!
طوت « فريدة» حزنها في رداء الصمت، ومضى الزمن، دون أن يقوم آل شطا بتصحيح الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه جامعة أم القرى، حتى شاء الله أن يظهر الحق، عندما نشرت جريدة الاقتصادية وثيقة تعيين صالح شطا كأول مدير للمعارف ( 3/9/ 1344هـ) يوم الأربعاء 4 شوال 1430هـ، ومع ذلك ترفع آل شطا ترفع الكبار، لولا أني كنت شاهدة على الواقعة بالحضور والكتابة، بعنوان « شهادة على التاريخ في جامعة أم القرى» مقالة نشرت يوم السبت 3-3- 1427هـ - الموافق 1 - 4- 2006م - ( العدد15683) قلت فيها : «حرضني فضولي للتعرف على فترة زمنية لم أشهدها، من خلال أبرز رجالاتها: أول مدير للمعارف في عهد الملك عبد العزيز» لم نستمع بانتباه لفريدة، ولم يتسلل غبار الشك إلى نفوسنا، لأن الاحتفالية في جامعة أم القرى، وكل من أدلى بدلوه حول المكرم يتمتع بقدر كبير من الثقة،
لذلك أكتب اليوم تصحيحا كي لا يكون مقالي تدعيما لشهادة على التاريخ يشوبها الخطأ بعد ظهور الحقيقة ونشر وثيقة التعيين الصادرة من الملك عبد العزيز إلى الأمير فيصل أمير الحجاز، تأكدت من صحة ما أبدته صديقتي، فطلبت منها ما لديها من وثائق حول السيرة العطرة لوالدها الشيخ صالح شطا. فأذهلني ما قرأت، حتى الوثيقة المنشورة في الاقتصادية وجدتها بين أوراق الملف المتخم بالمقالات والنسخ والقصاصات حول المرحوم والمناصب العديدة التي تبوأها في عهد الملك عبد العزيز وهي « عضوا في الجمعية الأهلية بالانتخاب، مستشارا لنائب جلالة الملك في الحجاز « الأمير فيصل»، ثم عضوا في لجنة التفتيش والإصلاح، ثم نائبا لرئيس المؤتمر، ثم مديرا للمعارف، ثم عضوا بمجلس الشورى، ثم نائبا لرئيس مجلس الشورى»
كل من كتب عن صالح شطا أكد أنه أول مدير للمعارف في عهد الملك عبد العزيز: محمد على مغربي « أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة» ج1 ص51، د/ عبد اللطيف بن دهيش أستاذ التاريخ الحديث المشارك بجامعة أم القرى « التعليم الحكومي المنظم في عهد الملك عبد العزيز نشأته وتطوره» ص32 « مديرو المعارف» : « لقد تولى مديرية المعارف العامة منذ تأسيسها في غرة رمضان عام 1344هـ .... نخبة من العلماء الأفاضل» وهؤلاء المديرون هم: الشيخ صالح بن بكر شطا 1344- 1345هـ « نشر هذا النظام بجريدة أم القرى، عدد « 90» في 25/ صفر1345هـ كما توجد نسخة من هذا النظام بمركز الوثائق التابع لمعهد الإدارة بالرياض» – الهامش- « عبدالله بن عبد الرحمن المعلمي « أعلام المكيين « ج1 ص562، عمر عبد الجبار رحمة الله عليه صاحب مدارس « الزهراء» للبنات في مكة التي درست فيها أورد سيرة الشيخ صالح شطا في مؤلفه «سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة» الطبعة الثانية ص141. ذكرت بعض المراجع كي أؤكد بأن جامعة « أم القرى» ليس لديها العذر في ارتكاب هذا الخطأ الفادح الذي أثر تأثيرا سلبيا على صديقتي ليس لشخصية المكرم السيد طاهر الدباغ الذي كانت له مواقف عظيمة وعين مديرا للتعليم بعد عودته إلى مكة عام 1354هـ وانطلق به انطلاقة كبرى» ولكن لأنها كانت تمسك بالتاريخ الصحيح بين يديها موثقا وتأبى نفسها الكبيرة نشره، كي لا يؤول الموقف أو يفهم خطأ، - هذه وجهة نظري الخاصة- ولا أحد منا قدر موقفها البار، لذلك أجدني ملزمة بإظهار الحقيقة، ليس مجاملة لصديقتي، فالحقيقة والأمانة ومسؤولية الكاتب لا تنحني لصداقة ولا تخضع للمجاملة- تصحيح الخطأ التاريخي من أجل الوطن والتاريخ والأجيال، كي لا يتكرر الخطأ الذي وقعت فيه جامعة أم القرى، وأرى أنه من الواجب عليها الاعتذار لآل شطا ولآل الدباغ لأنها أحدثت إرباكا في تاريخ حقبة مهمة من التاريخ السعودي هي حقبة التأسيس التعليمي للبنين، وعليها الإجابة عن السؤال بشكل عملي دون تبرير ودون اللجوء إلى الصمت الرهيب، من هو أول مدير للمعارف في عهد الملك عبد العزيز رحمة الله عليه؟!!
جريدة المدينة 28/10/1430هـ