وماذا عن خبراء مكة الذين هم أدرى بشعابها ؟!
لفت انتباهي ما نُشر بصحيفة عكاظ بتاريخ 24 رمضان الماضي حول نزع المزيد من العقارات المتاخمة لمشروع توسعة المسجد الحرام من جهة الشامية، وعددها 386 عقاراً من أصل 608، إضافة إلى 222 عقاراً لإنشاء محطة الخدمات المركزية للحرم المكي الواقعة في منطقة البيبان. لفت انتباهي من زاويتين :
الأولى : تتابع نزع وهدم هذا العدد الكبير من العقارات في مكة المكرمة وخلال فترة وجيزة -خلال السنتين الأخيرتين- في عدة أحياء منها، الأحياء الشامية (حوالي 1500 عقار)، وحي أم الجود، والتنعيم، والطريق الموازي (حوالي 4000 عقار). وهو ما أدى وسيؤدي إلى إشكالات عديدة لأهالي مكة، منها ارتفاع إيجارت الشقق، نتيجة لتراجع المتاح، بسبب الهدميات، وبسبب إخلاء العديد من أصحاب العمائر لسكانها بهدف تحويلها للتأجير الموسمي للحجاج والمعتمرين. وكذلك ارتفاع أسعار الأراضي، وهو ما أدى إلى تبخر أحلام متوسطي الدخل في بناء وامتلاك سكنهم، وهي أحلام ظلت تتحدد ملامحها على مدى سنوات طويلة تصل لدى البعض إلى عقود..
وهو أمر أرجو أن يكون تحت الأنظار وفي الحسبان عند إقرار المشاريع التطويرية في مكة المكرمة، والتي ركز بعض المسئولين نظرهم وتفكيرهم عند دراستها وإقرارها على خدمة مصالح زوار مكة من الحجاج والمعتمرين أكثر من خدمة مصالح أهلها..
الثانية : ما جاء في الخبر من أن هناك لجانا هندسية تعكف حاليا على إعداد التصاميم في استخدام الأراضي والكتل الجبلية لصالح توسعة الحرم ضمن هيئة عليا في العاصمة الرياض، تضم خبرات عالمية وإسلامية، تشترك معها أمانة العاصمة والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام لإظهار المشروع بالمظهر اللائق.
لاشك عندي فيما تحتله مكة المكرمة من مكانة في نفوس ولاة الأمر، وما يوجهونه من عناية في خدمة الحرمين الشريفين، وزوارهما من الحجاج والمعتمرين، وما يوصون به أمراءها بأهلها. ولكن بعض الجهات المعنية بخدمة مكة وأهلها وزوارها تغفل -بدون قصد- عن أهمية إبراز هذه الأهمية، وهذه المكانة، من خلال الحرص على إقامة الفعاليات الخاصة بمكة المكرمة فيها، كأن تعكف اللجان المشكلة لدراسة مشروع توسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة، بالقرب من ميدان العمل، وليس على بُعد ألف كيلومتر.
وأيضاً من خلال زيادة مشاركة أهل مكة الذي هم أدرى بشعابها، في صنع القرار الخاص بها، فمشاركة مجموعة من موظفي أمانة العاصمة ورئاسة شئون الحرمين لا يكفي، فبالإضافة للجهات الحكومية الأخرى، مطلوب مشاركة خبراء مكة المكرمة، وأكاديمييها، وأهلها، والمطوفين، والزمازمة، وغيرهم، مع الخبراء العالميين والمسلمين الذين يدرسون توسعة الحرم، وكذلك خبراء الأمم المتحدة الذين قيل أنهم يعكفون على دراسة المخطط الشامل لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة.. وهذا الكلام أقوله ليس مدفوعاً بعاطفة حبي لمكة المكرمة فحسب -لأن الجميع يحب مكة لحب الله سبحانه وتعالى لها-، وإنما أيضاً بسبب أهمية اقتراب المخططين مما يخططون له، فالتجارب في مجال التخطيط تؤكد أن درجة نجاح أي خطة استراتيجية كانت أو تكتيكية رهن بقرب المخطط من ميدان تنفيذ الخطة، وممن سيقومون بتطبيقها ويتأثرون بها ويؤثرون فيها، وبمقدار القرب يكون مقدار النجاح..
إن إغفال أهمية الاقتراب من ميدان العمل والعاملين فيه عند وضع الخطط، هو في تصوري السبب وراء انتقال الجهات التابعة لمنطقة مكة المكرمة من مكة المكرمة إلى جدة، تباعاً، خلال العقود الماضية، برغم ارتباط جل أعمالها بمواسم الحج والعمرة في مكة المكرمة، وهو ما أدى إلى تراجع الأداء الإداري للمنطقة بشكل عام، بسبب بعد الإدارات عن مقر الأمارة ومجلس المنطقة، وإلى تراجع الأداء الخدماتي في مكة المكرمة مقارنة بجدة -التي انتقلت إليها الجهات-، وأدى كذلك حرمان أهل مكة من نصيبهم من فرص العمل، والمناصب التي تتيحها تلك الجهات، وبالتبعية أدى إلى هجرة شبابها وأسرها إلى المدن الأخرى بحثاً عن فرص العمل والترقيات.. وهو في رأيي ما أدى إلى ضعف معدلات التنمية في مكة المكرمة بشكل عام.. ولذلك فإنني أنظر إلى القرار السامي الذي سعى سمو أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل -جزاه الله خيراً- إلى استصداره بنقل الجهات الحكومية الخاصة بالمنطقة من جدة إلى مكة المكرمة، بأنه قرار تنموي لمدينة مكة المكرمة بالدرجة الأولى، وسيكون له انعكاسات إيجابية على الأداء الإداري للمنطقة بشكل عام.
وبمناسبة الحديث عن هذا القرار فإنني أتمنى أن لا يكون انتقال مقرات الجهات إلى مجمع على طريق جدة كما أُشيع، وإنما أن يكون داخل مكة المكرمة، وحبذا لو كان أكثر من مجمع، موزعة على عدد من أحياء مكة، وأن تكون داخل حدود الحرم .
المدينة 7/11/1430هـ