توسعة المسعى .. هدية حج هذا العام
أظن أي منصف للحقيقة بإمكانه أو لنقل أنه يستطيع أن يبيح لنفسه أن يتجاهل حجم التغيير الشامل الذي تحقق في بلادنا وفق معدلات نجاح أخذت آثارها تبرز من خلال أدوات التعاطي مع الحياة.
ورغم أن هذا المتحقق لم يصل بعد إلى البعد المستهدف الذى يتفق مع المصطلح المتولد في قلب الوطن من خلال القادة والمواطنين، ولكنه يمثل ارتقاء فى سلم التطور والتقدم في مناح عدة ومقاييس ذلك ومؤشراته كثيرة، وفى كافة القطاعات والاتجاهات.
عمارة المسجد الحرام:يبرز في مقدمة ذلك وفي شموخ عمارة المسجد الحرام، ويشهد موسم الحج هذا العام إنهاء توسعة الحرم الجديدة وخاصة ما حدث من نقلة نوعية وقفزة كبيرة في المسعى، وتوسعته التي لمس آثارها الإيجابية الكثيرون مما جعل الساعين يؤدون هذا النسك في راحة تمكنهم من التجلي والارتقاء في روحانية العبادة والخلوص إلى الرب العظيم في هذا المكان العظيم، يستحضرون عظمة الرب وقدسية الزمان والمكان يمتثلون قصة الفداء والتضحية وبعدهما الإيماني العميق عندما ترك أبونا إبراهيم الخليل زوجته هاجر وأبانا إسماعيل عليهم الصلاة والسلام.
إنها موسوعة إيمانية عميقة تضيء حروفها الكون وتشتعل نورا وروحانية فى معان ثرة وبليغة الإيحاء، وتكر أطياف وألوان وأزمنة ودهور والحياة تتجدد في دفقها وتنتقل الأمانة لمن هم في مستوى الأمانة، والمسعى الجديد يأتي شاهدا على الإعجاز في القدرة الإنسانية، وهو سبر يرسل إشارات إيجابية ذات دلالات عميقة في مجملها.
وهو مصداقية لنبوة هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ومن قبله دعوة أبينا إبراهيم، فلعهد قريب لم يكن ليدور في خلدي أو في خاطر من هم من جيلي من الأحياء الذين يدبون على أرجلهم على أديم هذه الحياة يوم كان المسعى مسرحا عليه بسطات الباعة، وحتى حيوانات المسعى تلك التي كانت لها شهرة كبيرة، كان السعي على الجمال ومن قدر له أن يستدعي تلك الصور على فجاجتها ويقارنها بما يشهده اليوم من قفزات تأخذ بأسباب التطور الحضاري والتقني لا يملك ــ إن كان منصفا ــ إلا أن يشهد ويشيد بعظم ما تحقق من إنجازات كبيرة، وعلى بعد أميال يقف مشروع الجمرات كشاهد عصري على روعة البناء والإنجاز، وكيف أن المشروع من خلال ما توفر له من فكر هندسي ومن خلال الدعم اللا محدود الذي أنفقته السعودية كي تبرز هذه الحقيقة الماثلة التي أسهمت بقوة في فك الاختناقات وفي تخفيف الزحام، ونجح المسؤولون من خلال التنظيم إلى توفير طاقة كبيرة من توفر دواعي الأمن والسلامة، مما انعكس أثره الإيجابي على أداء الرجم في يسر وفي طمأنينة .. شهد بروعته الجميع.
وفي المسجد النبوي الشريف تحققت إنجازات كبيرة وعظيمة كان لها الفضل في أن أتاحت وخلقت مساحات جديدة من خلال التوسعات المتتاليات، ومن خلال الاستعانة بالتقنية العصرية من مظلات إليكترونية، الأمر الذي يدعو للدهشة وللإعجاب ولهجت به ألسنة الحجاج والزوار.
والبقية تأتي:
ولن يتوقف دولاب حركة البناء .. فإن الفكر الأمين الذي يعرف قدر وحجم المسؤولية في البلد الأمين قبلة العالم الإسلامي بأسره ما زال يجهد الذهن ويستعين بكل الخبرات والطاقات العلمية، يأخذ بأسلوب العصر وبأسلوب التقنية ليجد حلولا إيجابية وشرعية تعالج الأوضاع الطبوغرافية والجغرافية وخاصة في مكة المكرمة أم القرى التى تمتاز بطبيعة تكاد بل تنفرد بها، وتلك إرادة الله خالق كل شيء ومليكه وهو الذي اختارها لتكون مصدر الإشعاع والنور ومستقر بيته الحرام ومهوى أفئدة المؤمنين والمسلمين .. يقول وقوله الحق {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} وهذه حقيقة لا يماري فيها إلا كافر أو منافق أو مكابر.
واليوم ونحن ندلف إلى هذا الموسم العظيم من خلال أول يوم في هذا الشهر الكريم .. نشهد ونعيش فرحة هذه الليالي العشر .. مواسم زاخرة بالحسنات والبركات .. فإننا نحمد الله أن مكن لحجاج هذا البيت في هذا العام، ونسأل رب القدرة أن يكون حجا مبرورا وسعيا مشكورا وتجارة لن تبور وعودا حميدا إلى الأهل والأوطان، ونحمد للمسؤولين وعلى رأسهم القائد الكبير خادم الحرمين الشريفين جميل ما صنعوا، ونتوجه بالرجاء لكل عامل شرفه الله بخدمة ضيوف الرحمن أن يتقي الله في أمانته ومسؤوليته .. حتى يتحقق للحاج أداء نسكه في سهولة ويسر. وحسبي الله ونعم الوكيل.
عكاظ 1/12/1430هـ