المطوف خليل بهادر.... أستاذ ومهندس طوافة السياحة

عرفت الأستاذ المطوف خليل بهادر منذ أكثر من أربعة عقود، فقد كان يأتي لحارة (الشبيكة)، التي أزيلت لصالح توسعة المسجد الحرام، والتي تقع في الجهة الغربية للحرم، وتمتد وتحدها حارة الباب والحفاير والهجلة والشامية من جهاتها الأربع... فلقد كان يأتي إلى (الشبيكة) لزيارة المهندس المطوف عبدالله أكرم، أخ زوجته رحمها الله، وكان منزل المهندس أكرم يقع قريبا من دكان سعيد خضري بائع السوبيا، على يمين النازل من (طلعة الحفاير) الحالية. ثم أسس المطوف خليل بهادر (القصر الأبيض) وجعل منه فندقا يستخدمه لخدمات الحجاج والمعتمرين. وأعتقد أن القصر الأبيض هو أول عمارة يستأجرها الأستاذ خليل بهادر، والتي تعود ملكيتها لعائلة (شابهاي)، ثم أسس سلسة القصور البيضاء، المنتشرة في مكة المكرمة، أسأل الله أن يبارك له في ماله وعياله وصحته.

والأستاذ خليل بهادر ـ على حد علمي ـ كان أول أو من أوائل من فكروا في تطوير مهنة الطوافة السياحية الاستثمارية، فجعل من رحلة الحج، رحلة سياحية مميزة، توفر كل ما يريده الحجاج من طبقة الدخل فوق المتوسط والمرتفع، وذلك مقابل عائد مادي. فعمل بصمت وإخلاص وهدوء، فأخذ يخطط وينفذ على الأرض ما لم يسبقه عليه أحد من المطوفين. فجعل من جميع الإمكانات التي يريدها الحاج متاحة له، مما عكس إعجابا مصحوبا بترقب من مجتمع المطوفين، الذين أخذوا يتعجبون لما يصنع البهادر ويدهشون مما يخطط ويراقبون ما ينفذ. وما أن تجسدت أعمال خليل بهادر واقعا ملموسا على الأرض، حتى أصبح بهادر رقما صعبا مميزا في عالم الطوافة. فجاء بعده من قلده وأخذ منه، إلا أنني أعتبره رائدا من رواد تطوير مهنة الطوافة السياحية.

ولو قدر لأحد أن يزور مخيمات المطوف خليل بهادر، فإنه سيرى عملا متكاملا مبهرا مذهلا، يتجاوز خدمات الخمسة نجوم، فقد استطاع المطوف خليل بهادر أن يوفق بين يؤدي الحاج نسكه في يسر وسكينة وهدوء بال، وبين أن يجعل من رحلة الحج للمشاعر رحلة مريحة منظمة مرفهة (وأقصد بالترفيه هنا، الحصول على جميع ما يطلبه الحاج ضروريات وكماليات) فالمخيم عبارة عن فندق خمسة نجوم، يضم الأثاث الفاخر، من أَسِرة مريحة وستائر وثريات وسجاد وتكييف وحمامات ودورات مياه نظيفة. كما إن الوجبات تقدم بطريقة ( البوفيه المفتوح) ولم ينس المطوف خليل بهادر العناية الطبية والبرامج التوعوية والدينية والإعلامية. فمخيمه يضم نخبة من العلماء والدعاة والوعاظ، ومزود بشبكة مرئية وسمعية ومقروءة. أما ساحات المخيم الخارجية، فقد انتشرت بها المقاعد والمظلات (الشماسي) وفرشت أرضيتها بالنجيل الأخضر، مما يتيح للحاج البقاء خارج المخيم للتأمل والدعاء، فالمخيم بشكل عام، يُنْسي الحاج التفكير في المطعم والمشرب والمأوى، فكل ذلك متوفر، مما أتاح للحاج الوقت والمكان الملائمين لأن يركز في العبادة والتوجه إلى الخالق سبحانه وتعالى بالدعاء والابتهال والتذلل والتضرع.

إن تقديم هذه الخدمات بهذا المستوى العالي والمتطور والمريح، فتح أبواب التنافس لكثير من المطوفين، للعمل على جلب الحجاج الأغنياء والمشهورين من ممثلين وأدباء وأثرياء ومليونيرات، لتقديم خدمات مماثلة لهم. فانتشرت الخدمات السياحية عند هذه الشرائح من الحجاج، الذين وجدوا راحتهم عند هذه الفئة من المطوفين، الذين وفروا لهم الرحلات المحددة والمبرمجة حسب احتياجاتهم وتطلعاتهم.

إن خليل بهادر ـ من هذا المنظور المتطور ـ استطاع أن يؤثر في أصحاب رؤوس الأموال، ليقتحموا عالم مؤسسات حجاج الداخل، الذين أخذوا يقدمون خدمات الخمسة نجوم للمواطنين والمقيمين أيضا.

إضافة إلى ذلك، فإن أعمال المطوف خليل بهادر، لم تقتصر على أعمال الحج، بل تعدتها إلى الفنادق والمنتجعات السياحية، فأنشأ منتجعا رائعا بمصيف الهدا، وهو منتجع كبير، يقدم خدماته للمصطافين والمعتمرين والحجاج، فقد وفر الخدمات الفندقية والترفيهية، حيث يضم منتجعه أفخم الغرف والأجنحة، كما جهز بحمامات سباحة دافئة خاصة بالعائلات، وتوجد به مدينة ألعاب للأطفال، ومطاعم فاخرة. إضافة إلى توفير المواصلات بين الهدا ومكة المكرمة.

هذا هو الشيخ خليل بهادر، رجل الأعمال والمطوف المعروف. أما خليل بهادر (الإنسان) فهو ممن وفقهم الله عز وجل، لحب وعشق أعمال الخير والإسهام فيها على قدر استطاعته. أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا..

ومن جهة أخرى، فلخليل بهادر مواقف لا يرغب أن يذكرها على الملأ، لكنني وجدت فيها دروسا وعبرا، تدعو الإنسان لأن يتمسك بحبل الله عند وقوع المصائب والمحن، فقد أخبرني المطوف خليل بهادر بأنه كان في منزله، عندما وصلته الأخبار بأن حريقا ضخما التهم مخيمات منى قبل سنوات، فما كان منه إلا أن توجه إلى الله بالدعاء (وهو في منزله بمكة)، ثم قرأ آية الكرسي ونفخ بها في اتجاه منى، فقالت له زوجه، ماذا تفعل؟!. فقال لها سألت الله أن يحمي مخيمي، ثم ذهب إلى منى، ليرى أن جميع المخيمات حوله من أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله قد التهمتها النيران ما عدا مخيمه الذي بقي دون أن تمسه النار!. فقال: هذه بركة القرآن. وأخبرني أيضا، أنه أجَّر فرشا وأثاثا لأحد المطوفين لاستخدامها في منى، وبعد أن التهمت النار مخيمات المطوفين في منى، قال إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد احترق فرشي، ولم يسأل المطوف عن ذلك، فإذا بالمطوف يعيد له الأثاث والفرش بعد الحج، فسأله خليل بهادر، كيف أعدت لي كل هذا وقد احترق مخيمك؟!. فرد المطوف، لقد أخبرت العمال أن يأخذوا أثاثك وفرشك لمخيم منى، فإذا بهم ـ خطأ ـ يذهبون به إلى مخيم عرفات، فنجا الأثاث والفرش من الحريق!!..

هذا هو خليل بهادر مهندس الطوافة السياحية، الرجل العصامي، الذي شيد مجده بجهوده الشخصية، وفكره السليم وتخطيطه السديد ، الرجل الذي سبق بفكره زمانه... إن خليل بهادر يعتبر الرقم الصعب في مؤسسة الدول العربية حاليا، وهو قدوة عالم سياحة الحج... أسأل الله أن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وكل عام وحج وأمة محمد صلى الله عليه وسلم بخير وأمن وسلام...ويا أمان الخائفين.

الندوة 6/12/1430هـ