نجاح
ليس غريبا أن ينجح حج هذه السنة بدرجة امتياز .
لكن الغريب نجاحه وسط معطيات كانت تشير إلى أن حج هذه السنة سيكون متعسرا للغاية، ومن تلك المعطيات التي سبقت موسم هذه السنة الحرب الدائرة على حدودنا الجنوبية وما صاحب الحج من مناداة بعض الدول لتحويله إلى موقع لرفع الشعارات السياسية، وأيضا الخشية الكبيرة من انتقال عدوى مرض الخنازير.. هذه المعطيات كانت تقف كمؤشرات تعطي دلالات على ارتباك موسم هذه السنة.
وبالرغم من خطورة كل مؤشر على حدة إلا أن تسير الحج في مأمن تام أدى إلى نجاح الموسم بدرجة امتياز.
فالجهود المبذولة من كل الوزارات أسهمت في إخراج لوحة متناسقة قام كل جهاز بتطريزها بعناية فائقة.
وقد اكتسب كل جهاز خبرة ودراية في التغلب على المشكلات المعهودة والتي كانت تحدث خلال السنوات الماضيات، والمتابع لما بث من أخبار من المشاعر المقدسة يلحظ تواجد كل المسؤولين هناك لمتابعة شؤون الحج عن كثب، ولم يركن أي منهم إلى المتابعة المنزلية، فوجود المسؤول في أرض الميدان يخلق نوعا من التفاعل والحرص على أداء الأدوار المناطة بكل فريق وفق الخطة المرسومة لها ويساعد على تلافي الأخطاء الآنية.
وقد أسهم في إنجاح موسم هذه السنة تفعيل فتوى إجازة رجم الجمرات في أي وقت من أيام التشريق، يضاف للفتوى التنظيم والتوسعة التي حدثت للجمرات والاستعدادات والخطط الأمنية المرافقة لتحركات الحجيج ويقظة كل جهة لأداء دورها كما رسم لها.
ولأن العالم يتابع هذا التجمع المهول يحق لنا أن نفخر بمثل هذا النجاح الذي يؤكد على مقدرة الدولة (بأجهزتها مجتمعة) أن تنهض لمساعدة وتيسير فريضة تعبدية بكل هذا اليسر مع توفير مستلزمات الحجاج الضرورية وغير الضرورية من غير تفريق.. والمفرح أيضا أن هناك مئات من فاعلي الخير أسهموا بتواجدهم والإنفاق ببذخ من أموالهم في توفير الأغذية والمشروبات والمساعدات الإنسانية لحجاج بيت الله الحرام طلبا للمثوبة والتأكيد على مفهوم وفادة الحجيج ذلك المفهوم الذي جرى عبر التاريخ منذ العهود السحيقة.
تبقى أن الدولة ترسم خططها للحج وفق الحصص الممنوحة لكل دولة إسلامية وتعطي إحصائية لعدد الحجيج وفق تلك الحصص إلا أن الأعداد التي تخرج للحج من داخل المدن القريبة لمكة (ومن مكة نفسها) تزيد أعداد الحجاج بصورة ملفتة مما يجعل الخطط المرسومة تضيق من استيعاب الزيادة المفرطة من حجاج الداخل، وأعتقد أن هذه السنة نجحت خطة «لا حج إلا بتصريح»، وقللت من الأعداد الزاحفة للحج في اللحظات الأخيرة.
أخيرا.. أثاب الله جميع من أسهم في إنجاح حج هذه السنة وقدم صورة جميلة عن بلد جعل خدمة الحجيج من أهم أولوياته.فرحنا بنجاح الحج ونغصت علينا كارثة أمطار جدة تلك الفرحة.
عكاظ 15/12/1430هـ