الإدارة قبل وأثناء وبعد فاجعة جدة !!
فاجعة جدة كشفت أن لدينا قصوراً كبيراً في إدارة المدينة ، قبل وأثناء وبعد الفاجعة ، ولو تأملنا ما طُرح عبر التصريحات والآراء التي حملتها التغطيات الصحفية ، وأشارت إلى أسباب الكارثة سنجد أن وراء معظم ما ذُكر قصوراً إدارياً.
يدرك خبراء الإدارة والعقلاء بأن للإدارة دوراً مركزياً فيما شهدته مدينة جدة ، قبل وأثناء وبعد فاجعة الأربعاء 8/12/1430هـ ، فعندما يستقر في إدارة أي مدينة ، أو أي جهة أو منظمة ، حكومية كانت أو أهلية ثقافة تنظيمية لا تحتفي بإسناد الأمور إلى أهل الجدارة والاختصاص ، وتظل أصوات المخلصين والغيورين منهم في مهب الريح ، ولا تأخذ طريقها للتنفيذ ، فلابد أن نصل إلى ما وصلنا إليه . بل أستطيع أن أقول بكل اطمئنان أن هناك كوارث وفواجع في مواقع أخرى حدثت وستحدث –إن بقيت الأوضاع على ما هي عليه- ، ولكن وقعها ليس له جلجلة ما حدث يوم الأربعاء المفجع .. وعندما أقول الإدارة فأعني الإدارة المسئولة عن التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمراقبة، والإدارة التي تسند مهام كل وظيفة من وظائفها لذوي الاختصاص فيها .
عندما أقول الإدارة فإنني أعني الإدارة التي تفكر استراتيجياً، وتخطط استراتيجياً، وتدير إستراتيجياً، وتؤمن بأهمية تكوين رؤية، وأهداف بعيدة الأمد .. إدارة تحرص على الانتاج، والأداء المتميز، وتضع له المعايير، وتقيسه باستمرار ، فتكافئ المجتهد، وتحاسب المقصر .. إدارة تبحث عن الفرص السانحة لتحسين الأداء فتنتهزها، وتستشرف المخاطر فتعمل على تحييدها أو إضعاف آثارها إلى أدنى حد ممكن ..
إدارة تعي أن أي جهة أو منظمة أو مدينة أو حتى دولة قد تواجه حالات طارئة ، فتضع الخطط و(السيناريوهات) لمواجهتها ، ومعالجة آثارها بأسرع ما يمكن .
إدارة تعرف نقاط قوتها، فتعمل على تمتينها، ونقاط ضعفها فتعمل على معالجتها ..
إدارة قادرة على تحديد ما تحتاجه من موارد بشرية مؤهلة، وموارد مادية كافية ، للوصول لأهدافها .. عندما نؤمن بأهمية دور الإدارة ، ونمارسها بالشكل الصحيح سوف نحقق نتائج مذهلة على كافة المستويات ، التنموية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والعلمية ، والثقافية ..
و أما اللا إدارة ، أو الإدارة الضعيفة ، ستبقينا في دوائر التخلف ، وتجعلنا عرضة للمفاجآت ، التي تصبح أحياناً (فاجعات) ..
فاجعة جدة كشفت أن لدينا قصوراً كبيراً في إدارة المدينة ، قبل وأثناء وبعد الفاجعة ، ولو تأملنا ما طُرح عبر التصريحات والآراء التي حملتها التغطيات الصحفية ، وأشارت إلى أسباب الكارثة سنجد أن وراء معظم ما ذُكر قصوراً إدارياً . أذكر على سبيل المثال فقط :
عندما يتم سد جميع مسارات الأودية في جدة -و التي قيل أن الرئيسية منها ستة أو سبعة- ، نجد أن وراء ذلك قراراً إدارياً من أمانة جدة ، أو من وزارة الشئون البلدية والقروية ، سواء باعتماد المخططات والسماح بالبناء عليها ، أو بعدم معرفة ما يجري ، أو بالسكوت عن البناء فيها أو ردمها.
وعندما تجد مندوبي وزارة المالية يفاوضون مسئولي الوزارت والجهات الحكومية المختلفة ، عند مناقشة ميزانيات مشاريعها بطريقة تفاوض التجار في سوق الخضار ، لتخفيض الأسعار ، وليس بناءً على معطيات علمية ودراسات فنية ، فستعرف أن السبب في ذلك خلل إداري يتمثل في أنهم –و أعني مندوبي وزارة المالية- غير متخصصين فيما يناقشونه من مشاريع ، وبالتالي هم مضطرون إلى المطالبة بالتخفيض ، وأحياناً رفض اعتمادها ، أو اعتماد أجزاء تصل في بعض الأحيان إلى أقل من العُشْر.
و عندما تجد أن التحذيرات التي تقول هيئة الأرصاد أنها أطلقتها قبل أسابيع ، لا تصل إلى أي من سكان المناطق المعرضة لمخاطر السيول ، ولا يتم اتخاذ أي إجراءات إحترازية من أي جهة من الجهات المعنية ، فلابد أن تعرف وراء ذلك قصوراً إدارياً.
عندما تجد المسئول مكتفياً بمحاضر (رفع الحرج) ، التي يرفعها لمرجعياته بهدف إخلاء مسئوليته ليس إلاً ، ولا يهتم بعد ذلك إن أُخذ ما جاء في المحاضر مأخذ الجد أو لم يؤخذ ، ولا يخطر على باله أن يقدم استقالته إذا لم يتم إجابة مطالبه مهما كانت خطورة ذلك ، فاعلم أن هناك خللين إداريين ، الأول في عملية اختياره للمنصب الذي يشغله ، فهو إما أنه غير قوي أو أنه غير أمين ، والثاني في مراقبة أدائه ومحاسبته ، وذلك في الغالب بسبب عدم وجود معايير أصلاً لقياس أدائه .
عندما يكون هناك غياب لوجود خطة طوارئ ، تنظم أعمال الجهات الحكومية والأهلية في مواجهة تبعات أي كوارث -طبيعية أو بسبب فساد ما- وتظل الجهود والأعمال مبعثرة ، وغير منظمة ، بل يصل الأمر إلى تعطيل المبادرات الأهلية بشكل أو بآخر ، فاعلم أن هناك نقصاً في الوعي بأهمية الإدارة والتخطيط ، وبالأدوات الإدارية التي يمكن استخدامها لتحقيق التضافر بين جميع الموارد البشرية والمادية المتاحة لتحقيق أهداف خطة الطوارئ . وهذا ما تجلى عقب سيول جدة الأخيرة ، وما خلفته من آثار فاجعة ..
وفي ظل هذا الأداء في إدارة الكارثة يُعد ما ذكره نائب رئيس هيئة الأرصاد في برنامج مع الحدث ، مساء الخميس الماضي ، على قناة الإخبارية ، حول الأعاصير الأربعة التي تكونت في البحر الأحمر أمام شاطيء جدة خلال عام 2008م ، -يُعد- جرس إنذار كبير ، ينبه إلى ضرورة الإسراع إلى تشكيل جهاز متخصص لإدارة الكوارث ، وهو ما طالب به المهندس الدكتور يحيى كوشك في نفس البرنامج . لأننا لو تخيلنا أن أحد هذه الأعاصير التي مرت بمحاذاة شواطئ جدة -بدءاً من الميناء جنوباً وحتى أبحر شمالاً- غيّر مساره وضرب جزءاً أو أجزاءً –لا سمح الله- من أحياء مدينة جدة أو أي مدينة على ساحل البحر الأحمر لأحدثت آثاراً كارثية قد تتجاوز ما خلفته سيول الأربعاء ، فكيف سندير الكارثة ؟؟
أما الإدارة بعد إزالة آثار الفاجعة وانقشاع غبارها وانجلاء الحقيقة، فالحديث عنها مؤجل للأسابيع القادمة ..
المدينة 20/12/1430هـ