مكة تنتفخ وتختنق .. وستنفجر
مع كل مشروع تغيير تبدأه منطقة مكة ومدنها، أحاول أن أنسى الرقم المليوني لعدد سكانها ولا أستطيع، فالرقم بضخامته وأبعاده يستعصي النسيان، فقط لأنه الخطر الأكبر في وجه المشاريع التي تستحدثها المنطقة كل عام والتي تصبح في حضرة ملايينها البشرية مشاريع تغطي الحاجة لسنة أو سنتين ثم لا تنفع، ليبدأ البحث بعدها عن ثوب أكبر يغطي جسد مكة الذي يتمدد سريعا ويكشف عن عورة مخيفة.
تلملم مكة في هذه اللحظة أجساد 6.23 مليون إنسان بمختلف مشاربهم، هم بالضبط يشكلون ربع سكان السعودية، وبالتحديد يسكنون منطقة تضاريسها جبال وأودية وحدها الغربي بحر، هم مختنقون ومضغوطون في بقعة ستنفجر بهم وشكيا، وصدق ذلك تجسد في فاجعة جدة. وسبب هذا الرقم الأول الذي تصدر أرقام سكان مناطق السعودية جميعها لا يتعلق أبداً بالولادات الأرنبية لسكان مكة أو زيادة معدل الفحولة بها بقدر ما يتعلق بالهجرة المتزايدة إليها كل عام. قدر مكة ومدنها أن تكون وجهة الهجرة القديمة والحديثة للسعوديين، وقدرها أنها الوجهة التنموية والاقتصادية الأحسن حالا لثلاث مناطق تقارب حدودها الجغرافية.
تصوروا كيف تنقسم سنويا عائلات سعودية إلى نصفين: الأول في عسير والآخر في مكة، وكيف تهاجر إلى جدة نواة عائلات جيزانية جديدة لأنها لا تتمتع إلا هناك، وتصوروا أكثر أن نصف سكان محافظة بعشرات الألوف في جنوب مكة اتخذوا قرار الهجرة إلى جدة منذ عقد من الزمن! فما ظنكم عن حال مكة وهي تستقبل هذا السيل البشري؟ للأسف كل ما تصورتم هو واقع الحال في مكة وجدة كمدينتين. هما مخنوقتان ومتورطتان ببشر يتجاوزون قدرتها كثيرا، لذا لا غرابة أن الطريق الذي مهد قبل عشر سنوات أصبح عديم الفائدة اليوم، وأن الجسور التي أنشئت لتفك الزحام بالأمس تحولت إلى أحد مسبباته في هذا الصباح. أتحدث هنا على افتراض أن تلك الطرقات والجسور والأحياء أنشئت كما يفترض أن تكون، وإلا فحالها الحقيقي سيئ جدا جدا.. فتخيلوا حجم المصيبة.
أتحدث عن رقم يقول إن 95 في المائة من سكان السعودية يعيشون في 20 مدينة سعودية لا تشكل سوى 3 في المائة من مساحة البلاد! فما الذي أجبر ربع ذلك الرقم أن يختاروا مدينتين فقط، ليعيشوا فيهما ويتكاثروا في أحيائهما؟ لماذا هرب مئات الآلاف إلى جدة وعندما لم يجدوا مساحة بيت يلملم أجسادهم في مكان آمن، فضلوا أن يشتروا أرضا في واد بأرخص الأثمان من عصابات الأراضي، فقط لكي يشموا رائحة جدة؟!
أتحدث هنا عن حال مخيف جدا، لم تكن فاجعة السيل سوى أحد مؤشرات البداية لمستقبل منطقة يغوص فيها ربع بشر السعودية، وضعفهم سيعيشون على ذات مساحة الأرض مستقبلا.. لن أكمل، ولكن فتشوا عن سبب ذلك في مناطقهم التي هاجروا منها فهناك الجواب.
عكاظ 28/12/1430هـ