الهجرة النبوية .. والخوارج الجدد..؟!
** اليوم مطلع عام هجري جديد ــ كل عام وأنتم بخير ــ وإني استبشر به خيرا من عدة نواح، أهمها ــ من وجهة نظري ــ عودة الثقة إلى التقويم الهجري، وعرفنا منذ استلام المحكمة العليا مهمة رؤية مطالع الأهلة: بداية صومنا وإفطارنا ووقفة عرفات بالتوافق مع التقويم الذي يوقت لصلواتنا، فاكتملت بذلك مهام التقويم الهجري.
التقويم الهجري كما يعرف الجميع، بدايته من سنة هجرة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ من مكة المكرمة إلى طيبة، أو يثرب ــ كما كانت تسمى ــ حتى: المدينة المنورة، والتي أصبحت بعد هجرته ــ صلى الله عليه وسلم ــ تشع أنوارا لتملأ أرجاء العالم بنور الرسالة المحمدية وإيمانها، وهذه الهجرة كانت بداية تأسيس الدولة الإسلامية التي امتدت ليعم الإسلام العالم.
وعلى مدى الألف والأربعمائة والثلاثين عاما منذ الهجرة النبوية، ورغم الأحداث الهامة التي مرت، وبالذات ما يتعلق بالحرم المكي، لم يكن هناك أسوأ من الجريمة النكراء التي قادها جهيمان العتيبي واحتل الحرم المكي الشريف مع زمرته، ومنع الصلوات والطواف، وفتك بمن صادف وجودهم من الحجيج والمواطنين والمقيمين.
كان ذلك في اليوم الأول من العام الهجري 1400هـ (الثلاثاء غرة محرم ــ 20/11/1979م)، وما أسفر عن هذا الحادث البشع من انغلاق ديني وفكري واجتماعي أدى إلى غلو وتطرف وإلى حوادث خطيرة انعكست سلبا على الإسلام والمسلمين، مثل 11 سبتمبر، وما فعله الخوارج الجدد من أعمال إرهابية دفع الوطن ثمنها فادحا، وقد وصف الأمير خالد الفيصل في لقائه مع قناة العربية (14/07/2004م) ذلك بالخطأ وشرح ذلك بالقول: «هذا الخطأ أننا قضينا على الأشخاص الذين ارتكبو تلك الجريمة. جريمة جهيمان ولكننا تغاضينا عن الفكر الذي كان وراء الجريمة، تركناه ينتشر في هذه البلاد وكأنه لم يكن موجودا وهذا خطأ كبير» (كتيب صدر عن دار العبيكان ط. أ. 1428هـ ــ 2007م). وتحدث عن تلك الجريمة وتوابعها وما أحدثته في المجتمع السعودي من تأثيرات خطيرة بعمق وفهم. وكان مصطلح «المنهج الخفي» هو أول جرس إنذار حقيقي معلن عن خطورة الوضع أطلقه الأمير خالد الفيصل ــ آنذاك.
ويقول د. نزار عبيد مدني (دبلوماسي من ط. أ 1430هـ ــ 2009م) «حتى ذلك اليوم ــ جريمة جهيمان ــ لم تكن مفردات التطرف والتشدد والتعصب مألوفة في خطابنا الديني أو الثقافي أو الاجتماعي، وحتى ذلك اليوم كان التوجه الوسطي والاعتدال يمثلان أسلوب حياتنا ومنهجنا الديني» (ص284) ويقول: لو كنا نعلم الغيب ــ ولا يعلم الغيب إلا الله ــ لأدركنا أن ما حدث في المسجد الحرام في ذلك اليوم كان بمثابة الشرارة التي اندلعت لتسبب بعد أن غزتها بعض الأحداث والعوامل الأخرى المعروفة للجميع في الحريق الذي شب في 11 سبتمبر عام 2001م وفي الحرائق التي نشبت في بلادنا بعد ذلك (ص285) كانت جريمة بشعة لها ذيول خطيرة امتدت لتشعل ليس الحرائق في العالم، وإنما حتى في البيوت السعودية وبين الأسر على مستوى العالم.
والحمد لله بدأنا في إعادة الأمور إلى نصابها من خلال حزم من القرارات والإجراءات. ليكون منهجنا في الحياة واضحا وليس مخفيا..؟!
الخوارج الجدد كان اسم كتاب توثيقي عن جريمة الحرم المكي أعددته في نفس العام وصدر عن طريق وزارة الداخلية، وأتمنى أن أعيد طبعه بعد إضافة التطورات اللاحقة، لو أكرمني الصديق د. فهد عبدالله السماري أمين عام دارة الملك عبدالعزيز والذي سلمته النسخة الوحيدة لترميم بعض أجزائها. وأظنه ــ إن شاء الله ــ فاعلا.
عكاظ 1/1/1431هـ