صوت من مكة المكرمة
نظام النزع للمصلحة العامة في الفقرة الثالثة من مادته السادسة ينص على تكوين لجنة مهمتها دخول العقارات الواقعة في حدود مخطط المشروع بحضور المالكين والشاغلين أو أحدهما حسب الأحوال أو من يمثلهم ، وتحرير محضر بذلك تبين فيه نوع العقار ووصفه الإجمالي.. وهذا لم يحصل.
في البداية لم أصدق محدثي بأنه تسلّم بلاغاً من بلدية العتيبية ، بتاريخ 23/12/1430هـ ، بأن على سكان حوالي 320 عقارا إخلاء مساكنهم قبل 1/1/1431هـ ، أي خلال أسبوع ، لأنها ستُنزع لصالح مشروع تطوير الساحات الشمالية للمسجد الحرام ، -لم أصدق- لأكثر من سبب ، السبب الأول أن منطقة الحجون بعيدة جداً عن الساحات الشمالية للمسجد الحرم ، و يفصلها عنها عدة أحياء ، وأن ما تم الإعلان عنه قبل عدة أشهر من هدميات لم يتضمن ذكر الحجون إطلاقاً ، و إنما كان الحديث عن هدميات في منطقة البيبان ، و عن مائة متر إضافية لما تم إزالته من الأحياء الشامية ، و صدر نفي وصول الهدميات إلى البريد المركزي في المعلاة ..
و لكن ما نُشر في جريدة الشرق الأوسط يوم الأربعاء الماضي 29/12/1430هـ ، من تصريحات معالي أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار ، و تظلمات بعض المواطنين حول الموضوع تحت عنوان (خلاف حول إزالة منطقة الحجون ...) أكّد الخبر ..
وقد جاء تصريح معالي الأمين بأنه تم الإعلان عن الهدميات منذ نحو شهر في إحدى الصحف ، و ذلك وفق نظام نزع الملكية للمنفعة العامة ، الذي ينص على إعطاء مهلة شهر للسكان من أجل إخلاء منازلهم .. و أن المشروع يُعد (سيادياً) بأمر مباشر من المقام السامي.
و جاء ضمن تظلمات سكان منطقة الحجون ، بأنهم استلموا الانذارات من قبل أمانة العاصمة المقدسة بطريقة عشوائية ، و أن بعضهم تسلّم الإنذار يوم 26/12 ، و الذي يقضي بفصل الخدمات غرة محرم ، أي مطلوب منهم الإخلاء خلال أربعة أيام .. و أشاروا إلى عدم كفاية المهلة للبحث عن سكن بديل ، و نقل أبنائهم إلى مدارس أخرى .. و أن الإنذارات وُزعت على نحو 320 عقارا .. و أن عمدة الحي فوجيء كبقية السكان .. و هنا أود أن أتوقف عدة وقفات ، أولها : تضمن رد معالي أمين العاصمة المقدسة دفاعاً عن القرار بقوله أنه جاء طبقاً لنظام نزع الملكية للمنفعة العامة ، و لم يوضح أن ذلك مشروط بدفع مبلغ التعويض قبل موعد الإخلاء ، إلاّ في حالات استثنائية ، و في رأيي أن حالة منطقة الحجون و المناطق الأخرى المخصصة لخدمات توسعة الساحات الشمالية ليست استثنائية. هذا من جهة و من جهة أخرى أن نظام النزع للمصلحة العامة في الفقرة الثالثة من مادته السادسة ينص على تكوين لجنة مهمتها دخول العقارات الواقعة في حدود مخطط المشروع بحضور المالكين والشاغلين أو أحدهما حسب الأحوال أو من يمثلهم ، وتحرير محضر بذلك تبين فيه نوع العقار ووصفه الإجمالي ومشتملاته من المباني والأسوار.. إلى آخره .. وهذا لم يحصل.
و النظام أيضاً في مادته السابعة ينص على تكوين لجنة أخرى لتقدير التعويضات ، تبدأ عملها بعد انتهاء اللجنة الأولى ، و أنه يجب عليها دخول العقارات في سبيل تنفيذ مهامها بحضور المالكين والشاغلين أو أحدهما حسب الأحوال أو من يمثلهم ، و هذا أيضاً لم يحصل.
و الأهم أن معالي أمين العاصمة خير من يعلم أن معظم أهالي و سكان مكة يكونون في أواخر شهر ذي القعدة -و هو موعد الإعلان الذي أشار إليه- مشغولين بأعمال موسم الحج ، بما فيهم موظفو الأمانة و البلديات ، الذين لم يوزعوا الإنذارات إلاّ في الأسبوع الأخير من ذي الحجة ، فكيف يُعتمد الإعلان كتبليغ .. و أمين العاصمة المقدسة من خلال منصبه يتحمل مسئولية أمام الله أولاً و قبل أي أحد ، عن نقل الصورة الحقيقية لولاة الأمر ، لأنهم لن يقبلوا أن يتسببوا في أي عنت أو معاناة للمواطنين و المقيمين ، الذين يعتبرهم خادم الحرمين أمانة في عنقه حفظه الله .. و تتضاعف هذه المسئولية في مكة المكرمة التي خصها الله من دون مدن المعمورة بنذير شديد من مجرد إرادة الظلم فيها ..
ثاني الوقفات هي أن حجم ، و تسارع أعمال الهدميات في مكة المكرمة غير مسبوقة ، آلاف العقارات أزيلت خلال أشهر ، و آلاف العقارات سوف تُزال أيضاً خلال أشهر ، وقد شملت جبل عمر ، و الأحياء –وليس حي الشامية و إنما الأحياء- الشامية ، و البيبان ، و أحياء مشروع طريق الملك عبد العزيز ، و مخطط الصبان ، و الشهداء ، مؤخراً الحجون ، و الجعفرية و غيرها من الأحياء التي سيمر عليها قطار المشاعر ، وهو ما أدى إلى نقص حاد في الوحدات السكنية المتاحة لأهالي مكة و سكانها الدائمين ، لأن غالبية البنايات الجديدة مخصصة لسكنى الحجاج ، بالإضافة إلى توجه بعض الملاّك –بعد هدميات الشامية- إلى إخلاء بناياتهم من السكان الدائمين و تحويلها إلى سكن للحجاج ، وهو ما خلق أزمة إسكان حقيقية في مكة المكرمة ، وهي أزمة سوف تتضاعف في الشهور القادمة إذا تم المضي قدماً في هدميات مشروع طريق الملك عبد العزيز (الطريق الموازي) ، التي تقضي بالبدء بهدم أكثر من أربعة آلاف عقار بدءًا من نهاية شهر محرم الجاري ، لأن الغالبية العظمى لسكان المنطقة المنزوعة لصالح هذا المشروع هم سكان دائمون ، و ليسوا حجاجًا أو معتمرين ، كما هم سكان الأحياء الشامية الملاصقة للمسجد الحرام. و لقد تلقيت اتصالا من أحد سكان المرحلة الأولى لمشروع طريق الملك عبد العزيز ينقل فيه شكوى العديد من الأسر من عدم توفر مساكن بديلة لهم ، و لا يعرفون ما الذي سيحصل لهم و لأطفالهم و نسائهم إذا ما تم بالفعل قطع الخدمات عنهم يوم 10 محرم الجاري ؟!
ولذلك فإنني أرفع هذا الصوت من مكة المكرمة إلى مسامع ولاة الامر ، و كلي أمل في أن تصدر التوجيهات الكريمة بالتريث وجدولة أعمال الهدم في مكة المكرمة على عدة سنوات ، يتم خلالها اتخاذ التدابير لتوفير وحدات سكنية بديلة ، بما في ذلك استكمال تشطيب المرحلة المتبقية من مشروع الإسكان الذي تتجاوز وحداته السكنية الألف وحدة ، و تسليمها لطالبي قروض صندوق التنمية العقارية الراغبين .. و الله ولي التوفيق و هو الملهم الجميع الصواب ..
المدينة 4/1/1431هـ