المغيب عند الحديث عن الآثار
نحن فيما أعلم البلد الوحيد الذي فيه تياران يختلفان حول الآثار، أحدهما ينادي بالعناية بها وصيانتها، وعرضها ظاهرة للناس في مواطنها وفي المتاحف، وآخر لا يوافق على ذلك، بل ويسعى جاهداً لإزالة كل أثر في البلاد، لسوء ظن منه بمواطنيه أن تشغلهم هذه الآثار عن الدين، ويبالغ أفراد منهم فيسيئون الظن بهم أن يعبدوا شيئاً من هذه الآثار، ورغم أن الدولة لها جهاز حكومي أنشأته للكشف عن الآثار والعناية بها وصيانتها، وعرضها على الناس، إلا أنها إلى يوم الناس هذا لم تحدد مواقع هذه الآثار، ولم تعلن أنها مصونة بقوانين صارمة، تعرض العابث بها إلى المحاسبة وترتب عليه عقوبة، مما لا يجعل للأفراد تصرفًا في هذه الآثار بطمسها أو ازالتها، ثم هي لم تحدد حتى اللحظة ما هي الآثار التي تعنى بها، أهي آثار الأمم السالفة التي استوطنت هذه الأرض، من اتباع الرسل والديانات الأخرى، أم هي آثار الحضارات التي سبقت حضارتنا الاسلامية، أم أنها تعنى بكل الآثار قريبة العهد تاريخيا وبعيدة العهد، فآثارنا الاسلامية، وفي أهم مدينتين مكة والمدينة، لم نلحظ لإدارات الآثار في بلادنا عناية بها أو صيانة لها.
فهاتان المدينتان أهم الحواضر الاسلامية، وتشتملان على أهم الآثار لتاريخ الاسلام، ومن يزورهما اليوم يظن أنهما مدينتان لا تاريخ لهما، وأنهما نشأتا حديثاً، لولا وجود الحرمين الشريفين فيهما، فما عداهما كاد أن يذهب كله، حتى المباني التاريخية، التي تهتم بها ادارة الآثار في جدة مثلاً، اهملت في مكة والمدينة بل وأزيل غالبها، رغم أن المدينتين كانتا أغنى من جدة بهما، بل لعله لم يبق منها شيء يذكر، وكأن التاريخ لم يمر بهاتين المدينتين، فلا ترى فيهما غير المباني الحديثة، والتي يتطاول بها البناء حول المسجدين، وحتى المساجد التاريخية شكلت فيها وأزيل بعضها، وما بقي هدم وأعيد بناؤه، وأما الآثار المتعلقة بسيرة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعتن بها أحد، حتى مواقع معارك الاسلام الكبرى على هذه الأرض المباركة شكك فيها ومحيت معالم آثارها في أكثر الأحيان، وادعى الجاهلون أن لا مواقع لها معروفة، وتحدث عن الآثار من لا صلة له بعلومها، وأصبح من يسأل عن مواقعها من زوار هذه البلاد أو من أهلها متهم في دينه، يشنع عليه وتتهم زيارته للآثار بالبدعية، بل وقد يتجرأ غالٍ فيتهمه بالشرك، وكل حديث عن الآثار الاسلامية، خاصة منها ما تعلق بالسيرة النبوية فلن تقوم بالعمل الذي أوكل اليها بصورة صحيحة، وقد تجد نفسها في يوم من الأيام المتهمة الرئيسة في ضياع هذه الآثار وطمسها وإزالتها القائمة على قدم وساق، فهل تعلن مواقفها؟!! .. هو ما نرجو والله ولي التوفيق.
ص ب 35485 جدة 21488
البلاد 9/1/1431هـ