ماذا نتعلم من الهجرة (1/2) ؟!
ان كثيراً من عقلاء الأمة والمهتمين بأسس التربية وغرس الثقافة الاسلامية في نفوس الناشئة ينظرون الى قضية الهجرة على أنها حدث فيه دروس نستفيد منها لأنها تمثل جانبا مشرقا من تلك السيرة النبوية العطرة ، ونتعلم منها اسرار الهجرة ومجرياتها خاصة ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد صبر واحتسب ثم انتظر امر الله والاذن بالهجرة ، ثم هاجر وخطط لانطلاقته ومسيرته فدعونا ننظر الى تلك الدروس التي يمكن ان نستفيد منها خلال مطالعاتنا لهجرته صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة الى المدينة المنورة .
الدرس الأول :
من ينظر بعمق في خطوات الهجرة النبوية وترتيباتها يلاحظ انها لم تتم بصورة عفوية ولا بتحرك عشوائي او مجرد رغبة في الخروج او الهروب من مكة المكرمة ، ولكنها كانت نقلة استراتيجية هامة حرص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على حماية الدعوة بعد ان اشتد عليها الضيق والأذى في مكة المكرمة ، وازداد عناد قريش وظلمها وقسوتها عليه وعلى صحابته رضوان الله عليهم ، حتى امعنت فيهم تعذيبا وظلما بدون وجه حق ، فكان لابد من الانتقال الى مكان آمن آخر يسمح للدعوة بأن تتنفس الصعداء ، ثم جاء أمر الله عز وجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذن له بالهجرة .
الدرس الثاني :
ان المتتبع لمراحل الهجرة النبوية يلاحظ ان النبي صلى الله عليه وسلم احاطها بسرية كاملة ، حرص فيها على ان لايعلم احد بموعدها ولا طريقها ، ولا وجهتها ، واخفى كل ذلك حتى عن اقرب المقربين له سيدنا ابي بكر الصديق رضي الله عنه الرجل الذي وقف معه وآمن به وآزره وأحبه الحب كله . وكان هذا الصحابي الجليل اول من آمن من الرجال برسول الله صلى الله عليه وسلم وبدعوته ، ومع ذلك اخفى النبي صلى الله عليه وسلم موعد الهجرة وخطواتها عنه وعن الجميع ، وهو بهذا يعلم الأمة كيف يتصرف القائد عندما يتصدى لحدث هام ، او ينتقل الى مرحلة أخرى ، وكأننا به يعلمنا ويعلم الأمة : « استعينوا على انجاح حوائجكم بالكتمان « فأحاط ترتيبات الهجرة بسرية تامة ، وعندما اخبر ابا بكر الصديق بأنه سيهاجر وفهم ابوبكر انه سيكون صاحبه في الهجرة بدأ الصديق يعد لوازم الرحلة وادواتها من رفيق خبير بالطريق وراحلة تنقل النبي وأخرى تنقله ، فلما جاء الإذن بالهجرة اعلمه بموعدها وبدأت مراحلها الشريفة .
الدرس الثالث :
الهجرة درس يعلمنا ان نخطط بدقة لكل الأمور في حياتنا ثم نتوكل على الله والايمان الكامل به فهو نعم المولى ونعم النصير مثلما خطط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتمها على افضل وجه ، وهو الذي يعلمنا درسا : « ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه « .
الدرس الرابع :
الهجرة درس يعلمنا قبول اختيار الله وحبه والامتثال له فالمتتبع لمراحل الهجرة يدرك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما غادر مكة المكرمة التي احبها وولد ونشأ وترعرع بين جنباتها قال : « اللهم وقد اخرجتني من احب البقاع الي ، فاسكني في احب البقاع اليك « فكانت الهجرة الى يثرب المكان الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لهذه الهجرة ، واصبح اسمها بعد ذلك المدينة المنورة والتي اشرق فيها نور الاسلام بوصول خير الأنام ، وهي المكان الطيب الطاهر الكريم والمهاجر الأمين
الدرس الخامس:
من الدروس المهمة التي نستفيد منها عمق الإيمان والثقة بالله عز وجل عندما خاطب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه يطمئنه ويثبته رغم إحاطة قريش بالغار ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا تحزن ان الله معنا ) ، هنا يعلمنا درسا إلى يوم القيامة أن من كان مع الله كان الله معه ومن كان الله معه لا يخشى شيئاً غير الله وعليه أن يتذكر المعية حتى يكون أهلاً لها. وفي هذا الدرس تعلمنا كيف حفظ الله سيدنا محمدا ورفيقه ، : { فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وعادت قريش خائبة خاسرة.
الدرس السادس:
من دروس الهجرة التي نتعلمها كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار الرفيق المناسب الصديق المؤمن الأول من الرجال وهو رجل عرف بالصدق والتصديق بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الاختيار في محله لأن أبا بكر الصديق ساهم في إعداد الراحلتين واختار رجلاً مؤمناً من بني عدى ليشرف على إعداد الراحلة ولم يخبره بموعدها ولا بوجهتها ثم اختار عامر بن فهيره مولاه أن يرقبهما إلى أن استقرا في الغار بعد ذلك كلف ابنه عبد الله ان يأتيهما بلبن ، وكان يخبره بما سمع ويسمع في مكة ثم كلف ابنته أسماء أن تعد لهم الزاد الذي يتبلغان به في سفرهما أثناء الرحلة.
الدرس السابع:
من المعجزات التي ايد الله بها سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم عندما خرج من بيته ليلة الهجرة ان غشي ابصار القوم الذين كانوا ينتظرون خروجه ليقتلوه ، فخرج ولم يروه وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج : (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون) ، وكذلك فعل الله بالذين وقفوا على الغار ، وقال مقتفوه : هنا انقطع الأثر فوقفوا على فم الغار ، ولم يروه ، وقد انزل الله عز وجل في ذلك : { إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وهما معجزتان من الله عز وجل لهذا النبي الكريم .
المدينة 11/1/1431هـ