مركز تاريخ مكة والمدينة
* دُعيتُ مساء الأحد الماضي إلى اللقاء التشاوري الأول الخاص بمركز تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتشرّفتُ في اللقاء بنخبة مميّزة من العلماء والمتخصصين والمهتمين بالتاريخ، وخاصة تاريخ المدينتين المقدستين.
* ولم يكن اللقاء سوى تعبير للاهتمام الذي أولاه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله للتاريخ بعامة، ومكة المكرمة والمدينة المنورة بخاصة. كما أنه أي اللقاء كان مؤشرًا صادقًا على كفاءة وقدرة دارة الملك عبدالعزيز وأمينها العام معالي الأخ الدكتور فهد السماري، وكوكبة العاملين المخلصين معه من العاملين في الدارة. واللقاء في عفويته العلمية أبرز المشاعر الفياضة التي يحملها كل فرد من المشاركين لقيمة تاريخ المدينتين المقدستين، حيث حملت مداخلات ومشاركات الحضور فرحًا عفويًّا لرؤيتهم أخيرًا مركزًا بحثيًّا وعلميًّا متخصصًا في تاريخ المدينتين.
* هكذا مشاعر ودلالات أفرزها اللقاء، أساسها جذر معرفي وعلمي راسخ هو القيمة المعرفية والعلمية والدينية والمجتمعية والعاطفية لتاريخ أقدس مدينتين في عالم المسلمين، فوجود مركز بحثي متخصص، وتحت إدارة عرفت بكفاءتها ونجاحاتها، وبرعاية أميرية عُرف عنها حبها للتاريخ والمؤرخين لا يبهج النفس فحسب، بل يطمئنها إلى أن تاريخ هاتين المدينتين المقدستين في أيدٍ أمينةٍ، وأن ما سيتحقق في قادم الأيام سيكون دافعًا وحافزًا معنويًّا وعلميًّا هائلاً لتطور وتقدم الدراسات التاريخية الخاصة بهكذا موضوع.
* اللقاء كان مشرقًا بحق في الإفصاح عمّا سيكون عليه عمل المركز، وعمّا ستكون إنجازاته. فالعلماء الذين حضروا اللقاء كانوا من وزن علمي رفيع، من أمثال شيخنا وأستاذنا معالي الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان، ومعالي الشيخ الدكتور عبدالملك بن دهيش، وأستاذنا وعميد الآثاريين السعوديين الدكتور عبدالرحمن الأنصاري، إضافة إلى نخبة لامعة من المتخصصين والمهتمين بالتاريخ من كافة الجامعات والمؤسسات العلمية والأكاديمية والبحثية السعودية، وهو ما أضفى وزنًا علميًّا إضافيًّا على اللقاء.
* التأسيس لمركز بحثي متخصص يُعنى بتاريخ مكة المكرمة شرفها الله والمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام- إنّما يدلل على أن هاتين المدينتين الطاهرتين لهما من العناية والاهتمام عند ولاة أمرنا حفظهم الله الشيء الكثير، وأن المزايدات الرخيصة التي يصدرها البعض داخل المملكة وخارجها، والتشكي والتباكي الرخيص على تاريخهما وآثارهما إنّما دافعه الحقد والحسد على ما أنعم به المولى جلت قدرته من بصيرة لقادة هذا الوطن العزيز في شمولية اهتمامهم لكل جوانب الحياة فوق هذه التربة المباركة.
* وأنا كمتخصص في التاريخ، وتاريخ الحجاز خاصة، أقولها بكل طمأنينة: إنني رأيتُ في عيون كافة الزملاء المشاركين من علماء ومتخصصين ومهتمين بهجةً منبعها الاطمئنان إلى أن هذا المركز، وبما يحظى به من رعاية من قِبل الأمير سلمان، وإدارة تحت مظلة الدارة وأمينها، سيكون ليس فقط هامًّا، ونقطة تحوّل مفصلية في تاريخ المدينتين المقدستين، بل وفي إعادة الحس المجتمعي للقضايا والشؤون الإنسانية، والتي ترعاها وتسهر عليها عقول متخصصة في العلوم الإنسانية، خاصة بعد الهجمة الشرسة التي يقودها البعض ممّن لم ينعم الله عليهم بنعمة البصيرة الشاملة، والذين كرّسوا جهودهم في ترديد نغمة أن التقنية هي الطريق الأفضل للتطور، حتّى وإن لم نكن نمتلك آلية وقدرة إنتاجها.
المدينة 20/1/1431هـ