ساعتان في حضرة الدكتور «أبو سليمان»

حضرت قبل أيام محاضرة حاشدة للأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، نظمها نادي مكة الثقافي وجاءت المناسبة ضمن برنامج النادي لتكريم الرواد والبارزين من العلماء والأدباء والمؤرخين والباحثين، فجعلها الدكتور أبو سليمان مناسبتين محاضرة وتكريما مستحقا له بلا جدال!، وقد حضرت من قبل العديد من الأمسيات الثقافية في النادي فلم أر حشدا وحضورا كثيفا كالذي رأيته في أمسية أبو سليمان مما يؤكد ماله من مكانة واعتزاز في نفوس العلماء وطلاب العلم والأدباء والفقهاء والمؤرخين والباحثين والإعلاميين، وكانت محاضرة معاليه تحت عنوان «الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة عرض وتحليل» وقد أدار الأمسية الدكتور فواز الدهاس من جامعة أم القرى وجاء التكريم لهذا العالم المكي الكبير وقد بلغ الخامسة والسبعين من عمره المبارك وكأنه احتفال «باليوبيل الماسي» من حياته الطيبة المليئة بالخير والعطاء وقد عرفنا فيه التواضع الجم وهو تواضع طبعي غير مصطنع وبذلك شهد له كل من عرفه عن كثب وهو عضو مهم وفاعل في هيئة كبار العلماء في المملكة وله نشاط حيوي كبير في مجال الدراسات والبحوث التاريخية والآثارية صدرت في عدة كتب وله آراء فقهية مؤصلة تدل على فقه وعلم وسعة اطلاع، وقد أكد في محاضرته أن الأماكن المأثورة في مكة المكرمة وفي مقدمتها «مولد النبي صلى الله عليه وسلم» علمت بالتواتر التاريخي والمحلي والتواتر هو أن ينقل جماعة عن جماعة بما لا يدع مجالا لتواطئهم على الكذب!

وبعض هذه الأماكن محددة المواقع منذ القرن الأول من الهجرة بالتواتر وأن من كتب عنها وسجل تاريخها مؤرخون كبار كانوا على قدر عظيم من الفقه والعلم والدقة والخشية من الله، وفي مقدمتهم المؤرخ الأزرقي ومن بعده الفاكهي إلى آخر قائمة من أرخ للبلد الأمين وما فيه من أماكن مأثورة، ولذلك لا ينبغي أن يأتي في عصرنا هذا من يشكك في مواقع أو وجود تلك الأماكن رافضا التواتر لأننا به عرفنا مواقع المشاعر والسنة النبوية والأحكام الفقهية.

وتربطني بهذا العالم الكبير علاقة مودة وقد زارني قبل سنوات في منزلي لأداء واجب اجتماعي وكان من ضمن الحضور شاب متعالم فأخذ يحرم ويحلل «على كيفه؟!» فأراد الدكتور أبو سليمان أن يصحح للشاب الذي لم يكن يعرف معاليه، ما وقع فيه من أخطاء فانبرى له الشاب مدافعا عما قاله، ولما خشيت من تطاوله على معاليه قلت للشاب إنك تجادل الدكتور أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء! وهنا ارْبد وجه معاليه وعاتبني قائلا: هداك الله.. ياحساني لماذا ألجمت الشاب! وذلك بعد أن لاحظ تلعثمه عندما عرف مكانة من يجادله فاعتذرت لمعاليه بأن هدفي كان وقف التطاول فقبل اعتذاري على مضض! ولمعاليه كل المودة والتقدير والإكبار.

عكاظ 21/1/1431هـ